التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين 71}

صفحة 2285 - الجزء 3

  لأن الجمع يصلح أن يُذَكَّرَ على معنى الجمع، ويصلح أن يؤنث على معنى الجماعة، وعن طلحة «استهواه» بالألف غير ممالة، وفي مصحف عبد اللَّه بن مسعود بالألف، والقراء كلهم قرؤوا: «الشياطين» بالياء، وعن الحسن (الشياطون) بالواو.

  · اللغة: الاستهواء: قيل: الدعاء إلى الهوى، ومنه: {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أ إبراهيم: ٣٧، أي تميل، ومنه: {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} يقال: هوى يَهْوِي هُوِيًّا إذا هبط، وهويًا إذا صعد، وإنما قيل: للضال يهوي؛ لأنه بمنزلة من يذهب في جهة السفل كما يقال: أمره في سفال، وقيل: هو الدعاء إلي الأمر بالهوى من قوله: {النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ومنه يقال: هَوِيَ يَهْوَى هَوًى من هوى النفس، وَأُهْوِي: أُلقي في هوة، ويقال: هَوَيْتُ أَهْوِي: سقطتُ من علو إلى سفل، والهوي في السير: المضي فيه.

  وأصل الحيران: الحيرة وهي التردد في الأمر لا يهتدي إلى مخرج منه، يقال: حار يَحِيرُ حيرة وحيرورة، ورجل حائر وحيران، وقوم حيارى، ووزن حيران فعلان، وحار فلان: ضل عن المحجة.

  والإسلام: الاستسلام في اللغة، وفي الشرع الإسلام والإيمان والدين واحد، وهو اسم لأداء الواجبات واجتناب المعاصي.

  · الإعراب: «حيران» نصب على الحال، وقيل: محله رفع أي هو حيران، و «اسْتَهْوَتْهُ» التأنيث لأجل تأنيث الشياطين «لنسلم» قيل: اللام بمعنى (أن)، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا} وفي موضع آخر: {أنْ يُطفِئُوا} قال الشاعر:

  أُرِيدُ لِأنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... تَمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ