قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين 76 فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين 77 فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون 78 إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين 79}
  وقيل: إن في الآية حذفًا، وتقديره: هذا خلق ربي، كقوله: {وَاسْألِ القَريَةَ} وهذا - مع أنه خلاف الظاهر - تَعَسُّفٌ، والحذف إنما يجوز إذا دل الكلام عليه، والمجاز لا يقاس بعضه على بعض.
  وقيل: أراد إبراهيم أن يبطل قولهم في تعظيم الكواكب فأراهم من نفسه أنه يعظم ما عظموه ثم عقبه بذكر الاستدلال على بطلانه، وهذا فاسد؛ لأن إيهام الكفر لا يجوز على الأنبياء.
  وقيل: إنهم دعوه إلى عبادة النجوم فقال - مبينًا لهم خطأهم -: هذا ربي الذي تدعونني إلى عبادته عن الأصم.
  قال القاضي: والصحيح أنه قال ذلك على وجه الاعتبار والاستدلال لا على وجه الخبر، ولذلك بدأ بقوله: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»، ولما تم استدلاله قال: «وَجَّهْتُ وَجْهِي» وقال: «إِنّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» قال: والأقرب أنه كان لا يعاين ذلك، ثم عاينه أو كان لا يشار له إلى معبود ثم أشير إلى الكواكب، فعند ذلك قال ما قال اعتبارًا ونكيرًا «فَلَمَّا أَفَلَ» غاب «قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ» يعني أنه ليس برب، ولو كان ربًا لأحببته، ولتنزه عن الأفول؛ لأن ما غاب وظهر ويجوز عليه الحوادث لا يكون إلهًا «فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا» طالعًا «قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي» أي إلى رشدي عن الأصم. «لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» بعبادة النجوم وهم قومه «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ» أي رأى الشمس طالعة قال: هذا ربي هذا أكبر من القمر والكوكب «فَلَمَّا أَفَلَتْ» غابت «قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» من عبادة النجوم، وقيل: كانوا يعترفون بِاللَّهِ ويعبدون الكواكب، وقيل: كانوا ينفون الصانع، ويزعمون أن النجوم مدبرة «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي» قيل: وجهت بعبادتي، وقيل: وجهت نفسي «لِلَّذِي فَطَرَ» خلق «السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ حَنِيفًا» قيل: مخلصًا عن الحسن، أي مائلا عن الإشراك إلى الإخلاص «وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
  · الأحكام: تدل الآية على حدوث الأجسام وإثبات الصانع على ما استدل به إبراهيم #