التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين 76 فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين 77 فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون 78 إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين 79}

صفحة 2300 - الجزء 3

  فيبطل قول من يزعم أنه ليس في القرآن أدلة التوحيد والعدل وحدوث الأجسام، فأما وجه الاستدلال فإنما استدل بالأفول على حدثها، وأنها إذا جازت عليها الحركة والسكون فتكون مخلوقًا، ولا يجوز أن تكون خالقًا، وإنما استدل بالأفول؛ لأن حركاتها بالأفول أظهر، ومن الشبه أبعد، فدل بأنها لا تخلو من الحوادث فتكون محدثًا، والمحْدَث لا بد له من مُحْدِثٍ، والمحدِث لا بد أن يكون قادرًا ليصح منه الإحداث، فإذا دبر على وجه النظام فلا بد أن يكون عالمًا، فإذا كان عالمًا قادرا لا بد أن يكون حيًا ليصح كونه كذلك، ولا بد أن يكون موجودًا ليصح الإيجاد منه، ولا بد أن يكون قديمًا؛ إذ لو كان محدَثًا لاحتاج إلى مُحْدِثٍ فلا بد من قديم تنتهي الحوادث إليه، ولا يشبه الأجسام والأعراض؛ لأنه لو كان مشبهًا لها لكان محدَثا؛ ولأنه لا يصح فعل الجسم من الجسم، فثبت أنه مخالف للأجسام والأعراض، وإذا كان عالمًا لذاته كان عالمًا بكل معلوم فيعلم قبح القبيح وغناه عنه فلا يفعله، ولا يريده ولا يخلقه، فحينئذ يعلم أنه لا يخلق أعمال العباد، ولا يريد الكفر، ويعلم أنه يكلف الخلق لينفعهم؛ إذ لا بد من غرض، ولا يجوز عليه المنافع، وأن الغرض هو التعريض للثواب، فيعلم أن التمكين واجب واللطف، وإلا كان ناقضًا للغرض، فيعلم أن الاستطاعة قبل الفعل، وأنه يثيب ولا يعاقب أحدًا بغير ذنب، ويعلم أن كلامه صدق، ومتى علم في النعمة مصلحة وجبت النعمة وبيان الشرائع، فحينئذ يتم الاستدلال، ولما تم قال: إني بريء من الأصنام والكواكب، وكل معبود سوى اللَّه، فإني وجهت عبادتي إليه، وهو اعتراف بالتوحيد، وبراءة من كل ما سواه.

  وتدل على أن كل قول خالف هذا فهو شرك؛ لذلك قال: «وَمَا أنا مِنَ الْمُشْرِكينَ».

  وتدل على بطلان التقليد؛ لذلك تعين عليه الاستدلال، وتدل على أن المعارف مكتسبة، لذلك صح الاحتجاج.

  وتدل على صحة المقايسة والمحاجة في أصول الدين، خلاف ما يقوله أهل الحشو.