التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين 76 فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين 77 فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون 78 إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين 79}

صفحة 2301 - الجزء 3

  وتدل على أن العاقل محجوج بعقله، وإن لم يرد عليه سَمْعٌ، فيبطل قول من يخالف في ذلك؛ لأن إبراهيم احتج بعقله عند كمال عقله من غير رسول، فيبطل قول الإمامية والحشوية.

  ومتى قيل: لم بدأ بالكواكب والقمر أبلغ في النور؟

  قلنا: فيه قولان:

  أحدهما: لأنه شاهد الكواكب أولاً، ثم شاهد القمر عند طلوعه بعد ذلك، ثم شاهد الشمس.

  [الثاني]: لأن قومه كانوا يخصونه بالعبادة، ويعظمون أمره.

  ومتى قيل: أي ليلة يطلع الكوكب فإذا غرب يطلع القمر، فإذا غرب طلعت الشمس، هذا لا يكون أبدًا، والآية تقتضي ذلك؟

  قلنا: ليس فيه أنه طلع واحد بعد واحد وغروبه، ولكن فيه أنه رأى النجم طالعًا، ثم رأى القمر طالعًا، ثم رأى الشمس، وليس فيه غير أنه رآه كذلك، ثم غرب.

  القصة

  ذكر المفسرون وأهل التواريخ أن إبراهيم # ولد زمن نمرود بن عاد بن كنعان، واختلفوا فزعم بعضهم أن نمرود كان من وُلاة كنكاوس، ومنهم من قال: كان مُمَلَّكًا برأسه، وكان قيل لنمرود: إنه يولد في بلده في هذه السنة غلام يكون هلاكه وزوال ملكه على يده، ثم اختلفوا فقيل: إنما قالوا ذلك من طريق النجوم والتكهن، وقيل: وجد ذلك في كتب الأنبياء، وقيل: رأى نمرود كأن كوكبًا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر، فسأل عنه، فعبروا أنه يولد ولد يذهب ملكه على يده، عن السدي، فعند ذلك أمر بقتل كل غلام يولد تلك السنة، وأمر بأن يعزل الرجال عن النساء، وكان يتفحص عن أحوال النساء، فإذا وجد حبلى حبسها حتى تلد، فإن كان غلام قُتِل، وإن كانت جارية خليت، حتى حبلت أم إبراهيم.

  وقال السدي: خرج نمرود وعسكر بالبر، ونحى الرجال عن النساء خوفًا من المولود، فبدت له حاجة في المصر فلم يأمن على ذلك أحدًا سوى آزر أبي إبراهيم