قوله تعالى: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم 87 ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون 88 أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين 89 أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين 90}
  والحُبُوط: بطلان العمل حتى يصير بمنزلة ما لم يُعْمل في استحقاق الثواب، وأصله: الهلاك، وهو داء يأخذ في بطون الإبل فتهلك، والتحابط يقع بين الثواب والعقاب، عن أبي هاشم وأصحابه، وقيل: بين الأعمال عن الإخشيدية، وقيل: بين الطاعة والعقاب والمعصية والثواب، والأول الصحيح؛ لأنه يصبح المنتظر.
  والاقتداء: الاتباع لغيره، ويقال: اقتديت بفلان، واقتديته.
  والتوكل: أصله من الوكالة، وكَّل يُوكِّل توكيلاً: إذا جعل أمره إلى غيره ليستكفيه، ثم قد يكون ذلك لضعف في الموكل، وقد يكون ثقة بكفاية الوكيل، واللَّه الوكيل: أي الكافي لأمور عباده، وكلنا بها: أي تعبدنا بها، وفوضنا ذلك إليهم ثقة بهم.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما أنعم به على الأنبياء، وأمر بالاقتداء بهم، فقال سبحانه وتعالى: «وَمِنْ» (مِنْ) هاهنا للتبعيض؛ لأن من آبائهم من لم يكن مؤمنًا مهتديًا كآزر أبي إبراهيم وغيره، «آبائِهِمْ» يعني آباء الأنبياء، وواحد الآباء: أب، وزنه: فعل، ونحوه: مطر، وأصله أبَوٌ، ودليله آبائي، ويقال: أبوان فَتُرَدُّ الواو، وقيل: أراد بالآباء من كان نبيًا أو مؤمنًا «وَذُرِّيَّاتِهِمْ» أولادهم ونسلهم الَّذِينَ اتبعوهم بالإيمان، وقيل: أراد الذرية الَّذِينَ كانوا أنبياءهم «وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ» أي: اصطفيناهم واخترناهم بالرسالة، وقيل: اصطفيناهم بالكرامة لإيمانهم «وَهَدَيْنَاهُمْ» قيل: دللناهم وأرشدناهم فاهتدوا، وقيل: حكمنا بهدايتهم «إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» طريق بَيِّنٍ لا اعوجاج فيه، وهو دين الحق «ذَلِكَ هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»، وقيل: أراد أدلته الدالة على توحيده وعدله وخصهم بذلك، وإن دل جميع المكلفين؛ لأنهم اهتدوا بها وانتفعوا بالاستدلال بها، وقيل: أراد الحكم بالهداية والإكرام والمدح والتعظيم، وقيل: هو الألطاف التي معها يصلحون، وقيل: هو طريق الجنة والثواب، عن أبي مسلم «وَلَوْ أَشْرَكُوا» يعني: أنهم مع منزلتهم وفضيلتهم لو أشركوا بِاللَّهِ لما نفعهم مع الشرك عمل