قوله تعالى: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم 87 ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون 88 أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين 89 أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين 90}
  «لَحَبِطَ عَنْهُمْ» أي: لبطل عنهم عملهم بالشرك «مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: عملهم الطاعات «أُولَئِكَ» يعني مَنْ تقدم ذكرهم من الأنبياء «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ» أي: أعطيناهم الكتاب، يعني الكتب، وذكر على لفظ التوحيد؛ لأنه أراد الجنس «وَالْحُكْمَ» قيل: الحكم بين الخلق، وقيل: أدلة العقل وما يتصل به، وقيل: تفصيل الشرائع، وقيل: الفقه وتفسير المتشابه «وَالنُّبُوَّةَ» يعني بعثناهم أنبياء «فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ» قيل: بالشرائع والكتاب «فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ» قيل: إنكم أيها الكفار إن تكفروا بالقرآن فإنه يوكل بالقيام به وبدينه، وبنصرة رسوله قومًا من المؤمنين، وقيل: إن تكفر قريش فقد وكَّلْنَا بها قومًا، وهم الأنصار، ووكلنا: تعبدناهم، وأمرناهم بالقيام بالدين ونصرة الرسول، عن ابن عباس والضحاك وابن جريج والسدي. وقيل: «فَإِنْ يَكْفُرْ» يعني: قريشا «فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا» وهم النبيئون الثمانية عشر الَّذِينَ تقدم ذكرهم، عن الحسن وقتادة، وقيل: إن يكفر الناس وكلنا بها قومًا أي: الملائكة، عن أبي رجاء. وقيل: كل المؤمنين الَّذِينَ نصر اللَّه بهم الدين، عن أبي علي. وفيه بيان أنه تعالى ينصر دينه، ويحوط نبيه بهَؤُلَاءِ المؤمنين، ومدح لهم، وتهجين للكفار، «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» قيل: حكم بهدايتهم، وقيل: قبلوا هداه، وقيل: اهتدوا بلطف اللَّه الذي فعله بهم، وقيل: المراد به النبيئون الَّذِينَ تقدم ذكرهم عن ابن عباس وابن زيد وابن إسحاق والسدي. ولما طال الكلام أعاد ذكر الهداية، وقيل: أراد به المؤمنين الموكلين بحفظ دين اللَّه؛ لأنه في ذكرهم، عن الحسن وقتادة. فعلى هذا لم يتكرر لفظ الهداية «فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» يعني: بطريقتهم اتبع، قيل: في التوحيد والعدل والنظر في الأدلة؛ لأنها لا تختلف، فأما الشرائع فتختلف، فلا يصح الاقتداء بجميعهم، وقيل: اقتد بطريقتهم في تبليغ الرسالة وتَحَمُّلِ الأذى «قُلْ» يا محمد: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا» أي: لا أطالبكم على ما أُؤدِّي إليكم من رسالة ربي جُعْلاً «إِنْ هُوَ» قيل: القرآن، وقيل: النبي ÷، وقيل: النبي ÷ وما أنزل إليه «إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ» يعني عظة تذكر كل ما يحتاج إليه في الدين.
  ومتى قيل: كيف يتصل قوله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا» بما قبله من ذكر الأنبياء؟