التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون 94}

صفحة 2327 - الجزء 3

  وتدل الآية على أنه لا ظلم أعظم من هذه، فتدل من هذا الوجه أنه كفر.

  وتدل على كفر من شبه اللَّه بخلقه، أو جوَّره في حكمه، وأضاف إليه قبيحًا في أفعاله.

  وتدل على أن القرآن لم يعارض، وأنّ كل من ادعى مثل ذلك فهو كاذب.

  وتدل على أن أعظم العقاب عقاب هَؤُلَاءِ، وهذا لا شبهة فيه؛ لأنه إذا كان أعظم الذنوب الكذب على اللَّه كان أعظم العقاب له.

  وتدل على وجوب التفكر في الآيات وعظم ذنب من استكبر عنها، وكل ذلك ترغيب وترهيب.

  وتدل على أنه يعاين الملائكة في حال النزع، وذلك إنما يكون بأن يقوي اللَّه شعاعه، فيراه هو دون غيره.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ٩٤}

  · القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع وحفص عن عاصم والكسائي: «بَينَكُم» نصبًا، وهو قراءة الحسن ومجاهد والمروي عن ابن مسعود وأبي موسى. وقرأ الباقون برفع النون، فأما الرفع فعلى معنى تقطع وصلكم الذي كنتم تَوَاصَلُون بها في الدنيا، والبين: الوصل، والبين: القطيعة، وهو من الأضداد، وأما النصب فعلى إضمار (ما)، أي: تقطع ما بينكم. قال الشاعر في إضمار (ما):

  وجلدة بين العين والأنف سالم