التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون 94}

صفحة 2329 - الجزء 3

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: يقال لهم في الآخرة، كما دلت الآية الأولى على الحكاية، عن أبي علي.

  الثاني: أنه بمنزلة ما قد كان لتحقيق الخبر كقوله: {وَنَادَى أَصحابُ الجنَّةِ} و «فرادى» يحتمل أن يكون محله نصبًا على الحال، ويحتمل الرفع على تقدير: وأنتم فرادى و «مَا خَوَّلْنَاكم» محله نصب، أي: وتركتم نعمكم.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى تمام ما يقال لهم توبيخًا، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا» قيل: تقول لهم الملائكة ذلك عند قبض أرواحهم بأمر اللَّه، عن أبي مسلم، وقيل: يقولونه عن أنفسهم، وقيل: تقوله ملائكة العذاب، وقيل: اللَّه تعالى يخاطبهم بذلك، وقيل: يقال ذلك في يوم القيامة، عن أبي علي «فُرَادَى» قيل: وُحْدَانًا فَرْدًا فَرْدا لا مال معكم ولا خول ولا ولد ولا حشم، عن أبي علي، وقيل: جاء على كل واحد على حِدَةٍ، عن الحسن، وقيل: مُفْردِين عن المعبودين، عن الأصم، وقيل: من غير ظهير ولا معين «كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» قيل: عراة حفاة، وقيل: ليس معكم معين ولا ناصر عن أبي علي، وَقيل «وَتَرَكتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُم» ما أعطيناكم من النعم والعبيد وغيرهما من أموال الدنيا «وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ» يعني خلف ظهوركم في الدنيا، والمراد تركتم الأموال وحملتم الأوزار، واستمتع غيركم بما خلفتم وحوسبتم عليه وجوزيتم، فيا لها من حسرة «وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ» يعني ليس معكم مَنْ كنتم تزعمون أنه شفيع لكم، وهي الأصنام «الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ»، وذلك أن العرب كانت تزعم أن الأوثان إنما تُعبد؛ لأنهم شركاء اللَّه وشفعاؤهم، وقيل: أنهم شركاء في أموالكم، وقيل: في عبادتكم «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَينَكُمْ» أي: انقطع ما بينكم من المودات والوصلات، عن ابن عباس وغيره، وقيل: تفرق جمعكم وتشتت شملكم، عن أبي مسلم «وَضَلَّ عَنكُمْ» أي: هلك، وقيل: ضاع «مَا كُنتُم تَزْعُمُونَ» من الشركاء وهو الأوثان، يعني أنهم لا يجدونها، ولا منها نصرة عند شدة حاجتهم.