قوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ 104 وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون 105}
  يعني: لست أنا الحافظ والمجازي وإنما أنا الرسول المبلغ واللَّه الحفيظ الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وقيل: ما أنا عليكم بحفيظ؛ أي: بمسلط حتى أكرهكم على الإيمان، «وَكَذَلِكَ» أي: كما صرفنا الآيات قبل ذلك صرفنا هذه الآيات، وتصريف الآيات إثباتها على وجوه مختلفة، وترديدها كقوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ونحوها ليكون الناظر أقرب إلى المدرك، ويكون مأخذه أسهل، «وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ»، قيل: لئلا يقولوا درست أهل الكتاب فَتَعَلَّمْتَ منهم، ودرست ذلك يا محمد، وليس من عند اللَّه، عن الزجاج، وقيل: ليقولوا درست علينا ذلك، فتقوم الحجة عليهم بإقرارهم أنك تلوته عليهم، وعلى قراءة ابن عامر: «ليقولوا درست»: امَّحت الآيات وذهبت، عن الحسن، يعني انمحت ولم يبلغنا، ولم تقم علينا الحجة، وقيل: لئلا يقولوا: إن هذا من الأكاذيب التي درست وامَّحَتْ وذهبت، وقيل: طال العهد بها، فيبطل تأثيرها، وقيل: ليبكّتُوا بترديد الآيات من الدرس، حكاه القاضي، «وَلِنُبَيِّهِ» قيل: لنبين القرآن، وقيل: القول، وقيل: تصريف الآيات «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» أي: للعلماء، وإنما أضافه إليهم؛ لأنهم نظروا فيه فعلموا فلم ينتفعوا به دون غيرهم، وقيل: نبينه لقوم من شأنهم التعليم عن الأصم، وقيل: نبينه لقوم يعلمون معنى ما نورده عليهم منها، عن أبي علي.
  · الأحكام: تدل الآية أن المعارف مكتسبة؛ لأنها لو كانت ضرورية لما صحت هذه القسمة، وإنما يصح إذا كانت مكتسبة بأن ينظر فيعرف، أو يخل فيعمى.
  وتدل على أن الشرعيات لا تلزم إلا بعد السماع؛ لأن مَنْ لم [تبلغه لم] يوصف بأنه عمي عنها.
  وتدل على أن المكلف بعد سماع الأدلة غير معذور في ترك النظر.
  وتدل على أن من أطاع أو عمي بالنفع والضر يعود عليه، وذلك يوجب جزاء الأعمال.
  وتدل على أن الرسول ليس عليه إلا الإبلاغ.