التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون 112 ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون 113}

صفحة 2371 - الجزء 3

  لغرض من الأغراض، ومنه: صغت النجوم إذا مالت للغروب، وأصغى إليه: إذا مال إليه بسمعه نحوه.

  والأفئدة: جمع فؤاد، كغربان وأَغْرِبَة.

  والاقتراف: اكتساب الإثم، يقال: خرج يقترف أهله أي: يكتسب لهم، وقارف فلان هذا الأمر: إذا واقعه وعمله، وقرف الذنب واقترفه: عمله، وقرف القُرحَةَ: إذا أزال قشرتها قَرْفًا، وفلان يُقْرَفُ بكذا؛ أي: يتهم به.

  · الإعراب: الكاف في قوله، «وكذلك» كاف التشبيه، وفيه قولان:

  أحدهما: جعلنا لك عدوا كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء.

  والثاني: جعلنا تمكين من يعادي الأنبياء كتمكين غيرهم من السفهاء.

  وقوله: «عدوا» قيل: نصب لأنه مفعول (جعلنا)، و «شياطين» بدل منه، وقيل: هو خبر (جعلنا) كأنه قيل: جعلنا شياطين الجن عدوا، وفي نصب قوله: «غرورًا» وجهان قيل: على المصدر، وقيل: على البدل من (زخرف)، ذكرهما أبو مسلم.

  واللام في قوله: «ولتصغى» قيل: لام (كي)، وعلى هذا يتصل بقوله: «يوحي» وهو العامل في اللام، وقيل: هي [لام] الأمر والمراد به التهديد أي: افعلوا ذلك.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما تقدم عليه حال الأنبياء مع الأعداء تسلية فقال سبحانه: «وَكَذَلِكَ» يعني وكما عاداك هَؤُلَاءِ المشركون عادى سائر الكفرة أنبياءهم، وقيل: كما خلينا بينهم وبين أعدائهم، كذلك بينك وبين أعدائك، ولم نقهرهم على الإيمان «جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا» قيل: الجعل المراد به الحكم أي: حكمنا بأنهم أعداء الأنبياء، عن أبي علي، وقيل: جعلنا بترك المنع والتخلية، وقيل: جعلناهم أعداء؛ لأنا أمرنا بمعاداتهم، وقيل: أرسلنا الرسل إلى كبرائهم فعادوهم، فلما كانت المعاداة عند الإرسال أضافه إلى نفسه، عن الأصم. «شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» قيل: شياطين الإنس