التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون 112 ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون 113}

صفحة 2372 - الجزء 3

  مَرَدَةُ الكفار من الإنس، وشياطين الجن كفار الجن، عن الحسن وقتادة ومجاهد والسدي ومالك بن دينار، وقيل: الشياطين من الجن، وليس في الإنس شياطين، وإنما أضافه إلى الإنس؛ لأنهم هم الَّذِينَ يضلونهم من ولد إبليس، عن السدي وعكرمة والضحاك والكلبي، قالوا: إن إبليس قسم جنده فريقين، بعث فرقة إلى الإنس وفرقة إلى الجن «يُوحِي» أي: يوسوس ويلقي خفية «بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» أي: يلقي الشياطين إلى الإنس والجن «زُخْرُفَ الْقَوْلِ» أي: المموه المزين الذي يستحسن ظاهره، ولا حقيقة له «غُرُورًا» أي: يغرهم بظاهرها كالأماني الكاذبة، وقيل: زخرف القول هو عداوة النبي ÷ والمؤمنين، والغرور: الأطماع الكاذبة «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ» أي: هو قادر على أن يحول بينهم وبين ذلك، ويمنعهم، ولو شاء لفعل جبرًا وقسرًا، ولكن خلى بينهم وبين أفعالهم، إبقاء للتكليف وامتحانًا للمكلفين لئلا يفوت الغرض بالتكليف، عن أبي علي، وقيل: بأن يُنْزِل بهم عذابًا أو آية، فتظل أعناقهم لها خاضعين، عن الأصم «فَذَرْهُمْ» أي: دعهم وافتراءهم الكذب، فإني أجازيهم وأعاقبهم، وهذا وعيد لهم، «وَلِتَصْغَى» قيل: يوردون الأقوال المزخرفة، لتصغى: لتميل «إِلَيهِ» قلوب هَؤُلَاءِ، عن ابن عباس وابن زيد والسدي وأبي مسلم، وقيل: لتفعلوا الإصغاء، وهو تهديد لهم، عن أبي علي والأصم «أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ» أي: قلوبهم، والمراد أصحاب الأفئدة، ولكن لما كان الاعتقاد [والشهوة] في القلب أضاف إليه «وَلِيَرْضَوْهُ» عطفًا على «ولتصغى» أي: ليرضوا ذلك القول المزخرف «وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ» قيل: وليكتسبوا ما هم مكتسبون في عداوة النبي ÷ والمؤمنين، عن ابن عباس والسدي وابن زيد، وقيل: إنه يتصل بقوله: «يُوحِي بَعْضُهُمْ» كأنه قيل: يوردون زخرف القول؛ لتصغى إليه أفئدة هَؤُلَاءِ، وليرضوه ويفعلوا في ذلك ما فعلوا، وقيل: هو ابتداء كلام، وتهديد لهم أي: ليفعلوا ما شاؤوا فأنا من ورائهم أجازيهم، فهو علي هذا هو مضاف إلى اللَّه تعالى.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه لا ينبغي للإنسان أن يعبر بالأقاويل المزخرفة والأماني الكاذبة.