التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2398 - الجزء 3

  قلنا: قيل: إنه يتصل بقوله: «اللَّه أعلم حيث يجعل رسالاته» فيختص بها من يعلم اضطلاعه بها وأداه لها، فمن أراد أن يهديه يشرح صدره للإسلام فيعلم ذلك، عن أبي مسلم.

  وقيل: لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين بين ما يفعله لكل واحد مما يليق بحاله، فيشرح صدر المؤمن ليثبت على ما هو عليه، ويضيق صدر الكافر بالخواطر ليزول عنه.

  · المعنى: في معنى الآية أقوال:

  أولها: أن الهداية المراد به الثواب وطريق الجنة، وشرح الصدر هو الألطاف التي يفعلها اللَّه تعالى للمؤمنين من زيادة الأدلة والخواطر، والمراد بالضلال أن يضله عن الثواب وطريق الجنة، والمراد بضيق الصدر ما يَرِدُ على قلب الكافر من الخواطر التي توجب انتقاله عن الكفر، وتقدير الآية على هذا: فمن يرد اللَّه أن يهديه إلى الجنة والثواب يوم القيامة جزاءً على إيمانه؛ لأنه مؤمن مستحق للثواب، يشرح صدره في الدنيا بالألطاف وزيادة الهدى للإسلام؛ أي: لأجل الإسلام لكي يثبت عليه، ومن يرد أن يضله عن الثواب وطريق الجنة يوم القيامة جزاء على كفره؛ لأنه كافر يستحق العقاب، يجعل صدره ضيقًا بالخواطر حرجًا؛ أي: يُسَدَّ ضيقًا كي يزول عن الكفر، وهذا كأنه الأصلح الذي يفعله اللَّه تعالى بكل مكلف؛ لأن شرح الصدر في الأمر يدعوه إلى الثبات عليه، وضيق الصدر يدعوه إلى الانقلاع عنه، وهذا قول أبي علي، والوجه ما قيل في هذه الآية، فالهداية في الآخرة، وكذلك الضلال وشرح الصدر وضيقه في الدنيا.

  وتلخيص الكلام: أنا نشرح صدر المؤمن ليثبت على إيمانه ونضيق قلب الكافر ليقلع عن كفره.