التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2399 - الجزء 3

  والوجه الثاني: أن الهداية المراد بها الاهتداء؛ لأنه يقال: هدى اللَّه فلانًا: إذا اهتدى، فأما إذا لم يهتدِ فلا يقال هداه مطلقًا حتى يقال: هداه فلم يَهْتَدِ، والمراد بقوله: «من يرد» أي: من يرد أن يهديه، وسواء قولك هَدَى اللَّه، وأراد اللَّه أن يهديه، ونظير ذلك: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} معناه: أهلكنا قرية، فمعنى الآية على هذا: من اهتدى بهدي اللَّه الذي بعث به أنبياء هو آمن يشرح صدوه، كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} وشرح الصدر أن يخطر بباله ما يزيل وساوس الشيطان وشُبَهَ المبطلين، ويثبته على الحق، وذلك صفة المؤمن الناظر في الأدلة المتفكر في الآيات يفسح اللَّه له قلبه لما يريده من الحق، وهو خلاف صفة الكافر، فإنهم إذا أعرضوا عن التدبر في الآيات وأقاموا على الكفر وما ألفوه من دين الآباء حتى صار ذلك عادة لهم، وتمكن في قلوبهم فلم تنفتح لهم طريق إلى غيره، فلذلك الحرج وضيق الصدر، وإنما نسب اللَّه تعالى إضلالهم إلى نفسه لما كان وقوع الكفر منهم مقابلاً لدعاء اللَّه إياهم، وهذا اتساع كقوله: {حَتَّى أنسوكم ذكري} وهم لم ينسوهم ولكن نسوا عندهم، فأضاف إليهم، وقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يعني ضلوا عندهن. «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ» وقوله: «فمن يهد الله» بمعنى، وهذا قول أبي مسلم، فالهداية وشرح الصدر والضلال وضيق الصدر جميعًا في الدنيا.

  وتلخيص الكلام: من اهتدى بهدي اللَّه زاده اللَّه هدى ويشرح صدره في تفكره، ومن ضل عن آياته لم يفتح له طريقًا ولم يلطف له؛ لأنه لا لطف له.

  والوجه الثالث: قال: الإرادة صفة واسم لكل فاعل، والمعنى: من يهده اللَّه أي: يدله ويبين له يشرح صدره للإسلام بحججه حتى يكون متسعًا قابلاً له، فالمراد بالهدي أن يدله، ويبين له الأدلة عند النظر والتفكر حتى يكون متسعًا قابلاً له، ومن يضل عن آياته يجعل صدره ضيقًا حرجًا لما يبلوا من الانتقال عن الرياسة والخضوع لمن هو دونه، عن الأصم.