التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2401 - الجزء 3

  ومنها: الكلام في الضلال والهدى.

  ومنها: الكلام في اللطف.

  ومنها: أسئلة على الآية، والجواب عنها.

  ومنها: تعلق المخالفين بها، والجواب عنها.

  فهذه خمسة فصول:

  أمَّا الفصل الأول: فالآية تدل على أنه تعالى مريد، ثم اختلفوا، قال مشايخنا: إن كونه مريدًا صفة له، وقالت البغدادية: هو فعله أو أمره أو حكمه. وإذا ثبت أنه مريد اختلفوا، فقيل: مريد لذاته، وهو قول النجارية، وقيل: بإرادة قديمة، وهو قول الكلابية، وقيل: بإرادة لا توصف. وعندنا مريد بإرادة محدثة، لا في محل، ثم اختلفوا، فقال مشايخنا: يريد من أفعاله الكل إلا الإرادة والكراهة، ومِنْ عمل غَيْرِهِ الطاعات، فأما المعاصي فلا يريد ويكره، وأما المباح فلا يريد ولا يكره، والإرادة كالأمر في هذا.

  وأما الفصل الثاني: فقد بَيَّنَّا وجوه الهدى والضلال، وعندنا لا يجوز أن يقال: إنه تعالى يضل عن الدين، بل هدى إليه جميع المكلفين، فمنهم من اهتدى، ومنهم من لم يهتدِ؛ ولذا قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} ولأن الإضلال عن الدين قبيح مذموم لا يفعله اللَّه تعالى، ولأن الحكيم لا يأمر بشيء، ثم يَصُدُّ عنه، ثم يُعاقِبُ عليه.

  وأمَّا الفصل الثالث: فاللَّه تعالى إذا كلف لا بد أن يُمَكِّن وييسر، ويزيح العلة، ويعطي القدرة والآلة، ثم إذا علم أن للمكلف لطفًا من فعله تعالى يفعله وإن كان من فعل المكلف يأمره به، واللطف واجب؛ لأنه لو لم يفعله لكان نقضًا للغرض، وعند أصحاب اللطف ليس بواجب، ولأبي هاشم مذهب بين المذهبين ليس ههنا موضع تفصيله، والآية تدل على اللطف؛ لأنه بَيَّنَ أنه يفعل بالمؤمن شرح الصدر ليثبته، وبالكافر ضيق الصدر ليقلع، وهذا غاية اللطف.