التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2402 - الجزء 3

  وأما الفصل الرابع: فمتى قيل: ما شرح الصدر؟

  قلنا: إنه قد يكون لطفًا داعيًا إلى الطاعة زاجرًا عن المعاصي وقد يكون ثوابًا، وقد يكون سرورًا بالفكر في الأدلة والعلم بالمدلول وإزالة الشكوك، فأما الضيق فقد يكون بالخواطر المزعجة، وقد يكون عقابًا. واللَّه أعلم بتفاصيله.

  ومتى قيل: فلم لم يشرح قلب الكافر؟

  قلنا: لو كان لطفًا لفعله، ولكن قد علم أنه مفسدة فلم يفعل.

  ومتى قيل: هذا الشرح ثواب والضيق عقوبة أم لا؟

  فجوابنا: قال أبو علي: نعم، وقال أبو هاشم: بل هو لطف.

  ومتى قيل: عندكم قيل: الثواب لا يجوز أن يريد الثواب، فكيف يصح تأويل أبي علي؟

  فجوابنا: إذا فعل دلالة ثواب المؤمن ودلالة عقاب الكافر جاز أن يوصف بإرادته، ولأنه قد يريد في الدنيا ما يجري مجرى الثواب من التعظيم والكرامة.

  ومتى قيل: هل تدل الآية على عقاب الفساق؟

  فجوابنا: نعم؛ لأنها تتضمن أنه يعاقب كل من ليس بمؤمن، فيبطل قول المرجئة.

  وأمَّا الفصل الخامس: فقد قالوا: إن شرح الصدر هو خلق الإيمان فيه، وضيق الصدر هو خلق الكفر فيه.

  قلنا: أول ما يقال فيه: إن الظاهر لا تعلق لهم به؛ لأن فيه إطلاقات وإضافات فيجب أن يعتبر كل واحد كما ورد، والإرادة مضافة إلى اللَّه تعالى، ونحن لا نخالف فيه، والهداية مطلقة من وجه؛ لأنه لم يبين إلى ماذا مضافة إليه تعالى.

  فإن قالوا: إنه خَلْق الإيمان.

  قلنا: هذا ليس في اللغة ولا في الشرع، بل نقول: إنه الدلالة والبيان أو الهداية إلى طريق الجنة على ما تقدم، فليس لهم تعلق بالظاهر، وقوله: «للإسلام» أطلق ولم يضف فهم يقولون: الإسلام يفعله اللَّه تعالى، ونحن نقول: الإسلام يفعله العبد،