التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2403 - الجزء 3

  فليس لهم تَعَلُّقٌ بالظاهر، بل ما قلناه أولى؛ لأن الظاهر أن شرح الصدر للإسلام، وأنه غيره، وعندهم أن شرح الصدر هو الإسلام، وهما خلق الإيمان فيه. وقوله: الإضلال مطلق من وجه، مضاف من وجه إليه تعالى، وعندنا لا يضاف الضلال إليه فلم يتناول موضع الخلاف، ووجه إطلاقه أنه لم يبين يضل عماذا، فهم يقولون عن الإيمان، ونحن نقول عن طريق الجنة، وما هو له أليق بالظاهر؛ لأنه يقتضي أن ذلك عقوبة.

  وبعد، فإن الضلال لا يُعْقَلُ منه خَلْقُ الكفر، لا لغة ولا شرعًا، فكيف يتعلقون بالظاهر.

  والذي يدل على صحة. ما قلنا أنه تعالى ذمهم في الآية، وعاقبهم، فدل أن ذلك فعلهم، ولأنه يقتضي أن شرح الصدر لأجل الإسلام وإذا خلق الإسلام فما معنى شرح الصدر، والكفر لا ينبئ عن ضيق الصدر، ولأنه تعالى لا يجوز أن يخلق الكفر؛ لأنه قبيح، ولأنه لا يجوز أن يخلق شيئًا ثم يعاقب عليه، ولأنه فعل غاية ما يدل على أنه لا يريد الكفر ولا يخلقه من الأمر والوعد والوعيد، ولأنه أضاف الضلال إلى فرعون والسامري ذمًا لهم، ولا يجوز أن يتمدح هو به، ويضيف إلى غيره ما هو فاعل له، ولأنه قال: «وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا»، ولو خلق الكفر في واحد وعذبه، والإيمان في آخر وأثابه، من غير سابقة منهما لم يكن بهذا استقامة، وأي طريق أعوج من هذا، ولأنه لو كان خلقًا له لما حَسُن الأمر والنهي، ولأنه لا يحسن من الحكيم أن يخلق سبّ نفسه وعبادة الأوثان، وقتل أنبيائه، ويمنع من الإيمان به، ولأنه يبطل البعث والثواب والعقاب والوعد والوعيد لو كان جميع ما فعلوه خلقًا له، وقد روي عن ابن مسعود أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول اللَّه، هل يشرح اللَّه الصدر؟ قال: «نعم، يدخل قلبه النور - يعني معرفة اللَّه تعالى - فيشرح صدره» قالوا: وهل لذلك من علم؟ قال: «نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل الموت».