قوله تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون 127 ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم 128 وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون 129}
  الرابع: هو طاعة بعضهم لبعض وموافقة بعضهم بعضًا، عن محمد بن كعب.
  وقيل: استمتاع الجن بالإنس إغواؤهم واتباع الإنس إياهم، واستمتاع الإنس بالجن ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة.
  وقيل: استمتاعهم بالإنس حَثُّهُمْ إياهم على محاربة المسلمين الَّذِينَ هم أعداء شياطين الإنس والجن، وإيذاؤهم، فَيُسَرُّون بذلك، كما يحمل الملوك من مؤن العساكر لقهر غيره من الأعداء، ولا منفعة أعظم من ذلك.
  «وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا» وَقْتَنَا ومدتنا «الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا» وقت الموت، عن الحسن وأبي علي والسدي، وقيل: الحشر؛ لأن لكل منهما أجل في الحكم، والموت أجل استدراك ما مضى، والحشر أجل الجزاء «قَالَ» اللَّه تعالى لهم بيانا لهم أنه لا تنفع المعاذير «النَّارُ مَثْوَاكُمْ» قيل: مقامكم عن الأصم وجماعة، وقيل: مكان مقامكم، عن أبي مسلم. «خَالِدينَ فِيهَا» دائمين في النار معذبين «إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» من الفائت، قيل: ذلك من الاستحقاق فكأنه قيل: خالدين فيها على مقادير الاستحقاق، إلا ما شاء اللَّه من الفائت، قيل ذلك؛ لأن الفائت من العقاب يجوز تركه بالعفو عنه، بخلاف الفائت من الثواب، وقيل: إلا ما شاء اللَّه من تجديد الجلود بعد احتراقها، فيكون تقديره: خالدين على صفة واحدة إلا ما شاء اللَّه، فكان من هذه الأمور، وقيل: إلا ما شاء اللَّه من بعثهم ووقت الحساب إلى دخول جهنم، عن الأصم وأبي علي، وقيل: إلا ما شاء اللَّه، فكان ما شاء اللَّه أبدًا، عن الكلبي، وقيل: النار مثواهم شوى ما شاء اللَّه من أنواع العذاب، وقيل: إلا ما شاء اللَّه كونهم في الدنيا بغير عذاب، وقيل: إلا ما شاء اللَّه ممن آمن منهم، عن عطاء، وقيل: الاستثناء يعود إلى قولهم: (أَجَّلْتَ لنا) تقديره: استمتع بعضنا ببعض، وبلغنا أجلنا إلا ما شاء اللَّه، فأهلك قبل الأجل، عن أبي مسلم، وهذا غير صحيح؛ لأنه يوجب إثبات أجلين، وروي عن ابن عباس أن هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار، كأنه يذهب إلى أن وعيده منزل بالقطع من بعد «إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» أي: محكم لأفعاله عليم بكل شيء، وقيل: يخلدكم فيها