التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون 137}

صفحة 2423 - الجزء 3

  هم الغواة من الناس، واختلفوا فيم شركتهم؟ فقيل: شركاؤهم في نعمهم، وقيل: شركاؤهم في الإشراك «لِيردوهُمْ» ليهلكوهم واللام لام العاقبة أي: زينوا ذلك بالغرور والأماني الكاذبة، فكان عاقبة ذلك الهلاك كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وهذا قول أبي علي، وقيل: كان فيهم المعاند بقصد الإضلال، وفيهم غير المعاند، فغلب المعاند، وقيل: هم الجن قصدوا الإهلاك، واللام على هذا لام (كي)، وقيل: أول من وضعه على فساده، وقصد الإهلاك «وَلِيَلْبِسُوا عَلَيهِمْ دِينَهُمْ» أي: ليخلطوا ويموهوا عليهم الدين، وكانوا على دين إبراهيم وإسماعيل، فرجعوا عنه، وخلطوا، وكفروا «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ» أي: لو شاء أن يمنعهم قهرًا ويلجئهم إلى تركه لفعل لقدرته على ذلك، ولكن خلاهم وفعلهم إتماما للابتلاء والتكليف، وقيل: لو شاء لأهلكهم ومَثَّلَ بهم، ولكن أمهلهم ليطلبوا الحق ويعرفوه فيتبعوه عن الأصم، «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» أي: دعهم وافتراءهم أي: كَذِبَهُمْ على اللَّه تعالى، فإن اللَّه يجازيهم، وقيل: كان الأمر بقتل الأولاد وغير ذلك مما اعتقدوه، عن الأصم، وقيل: إنه يحتمل وجهين أحدهما: نهي النبي ÷ عن مثل فعلهم، والثاني: وعيد وإيجاب للجزاء عليهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن قتل الأولاد فِعْلُهُم والتزيين فعلهم، وأنهم بإضافة ذلك إلى اللَّه كاذبون، فلو كان خلقه لما صح ذلك.

  وتدل على جهل القوم من وجوه:

  منها: أنهم جعلوا لله نصيبًا من الأموال، وهو غني عنها، وهو الخالق لجميع ذلك.

  ومنها: أنهم جعلوا نصيبًا للأوثان وهي جماد.

  ومنها: أنهم قتلوا أولادهم مع قبح ذلك في العقل والشرع، ونفور الطبع عنه.

  وتدل على أن الافتراء ليس بخلق له، وأنه فعلهم.