قوله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين 141}
  قيل: عطف على قوله: «وَرَبُّكَ الْغَنِي ذُو الرَّحْمَةِ» وعلى ما تقدم من أوصاف اللَّه والثناء عليه وذكر أدلة توحيده ونعمه على خلقه وإحسانه إليهم، عن أبي مسلم، فكأنه ذكر ذلك ثم اعترض بالرد على من عدل عنه إلى غيره، ثم عاد إلى ذكر توحيده وعد نعمه، وقال الأصم: إنه حاجهم عقيب ما حكى عنهم بأنه اللَّه وحده المعبود الخالق، وأن الحلال والحرام يستفاد من حكمه دون غيره.
  وقيل: لما حكى عنهم جَعْلَ بعض للأوثان بين أنه الخالق لجميع الأشياء، فلا يجور إضافة شيء إلى الأوثان، ولا تحليل ولا تحريم إلا بإذنه.
  · المعنى: «وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ» اخترع، وخلق مِنْ لا شيء، ولا على مثال «جَنَّاتٍ» بساتين فيها الأشجار المختلفة «مَعْرُوشَاتٍ» قيل: مرفوعات بالدعائم، وقيل: هو ما عرشه الناس من الكروم ونحوها، عن ابن عباس والسدي، وهو رفع أغصانها، وقيل: يعرشه أن يجعل له حيطان كالحائط، عن أبي علي «وَغَيرَ مَعْرُوشَاتٍ» مرفوعات لكن قائمة على أصولها مستغنية عن التعريش، عن أبي مسلم، وقيل: ما خرج في البراري، والجبال من الثمار والأشجار عن ابن عباس «وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ» يعني مختلف الطعم فخلق بعض الثمار مختلف اللون والطعم والرائحة، والصورة، وبعضها متماثلة، وبعضها مختلف في الصور متفق في الطعم، وبعضها مختلف في الطعم متفق في الصور، كل ذلك ليدل على توحيده، وأنه قادر على ما يشاء عالم بكل شيء، وقيل: مختلفًا أكله، حلو وحامض، ورديء وجيد «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ» خَصَّهُما بالذكر تفضيلاً، ولما فيهما من عجيب القدرة «مُتَشَابهًا» في الطعم واللون والصورة «وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ» بل مختلف «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» هذه إباحة، وإن كان بلفظ الأمر.
  ومتى قيل: إذا كان ذلك مباحًا في العقل فلم أباح؟
  قلنا: ورد الشرع مؤكدًا، وقيل: إباحة أكلِهِ، ثم أوجب العشر في الباقي، فقال سبحانه: «وَآتُوا حَقَّهُ» قيل: [أعطوا للَّه] حقه «يَوْمَ حَصَادِهِ» أي: وقت قطع الزرع، واختلفوا في هذا الحق على ثلاثة أقوال: