التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين 142 ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين 143 ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين 144}

صفحة 2449 - الجزء 4

  تحليل إلى تحريم، ومن تحريم إلى تحليل، وقيل: طرق الشيطان؛ فإنه لا يذهب بكم إلا في طريق ضلالة «إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» أي: ظاهر العداوة، قد أبان عداوته لكم بما كان منه إلى أبيكم آدم، وبما أوعد ذريته، وقيل: بَيِّن العداوة، عن الحسن، أي: لإظهاره ذلك في حزبه وأوليائه من الشياطين، وإذا كان عدوًا فإنه يقصد إلى الضلال والفساد، ثم فسر الحمولة والفرش، فقال سبحانه: «ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ» قيل: ثمانية أفراد، عن الأصم كقوله: {أَمسِكْ علَيكَ زَوجَكَ} وقيل: ثمانية أصناف، وهو الوجه «مِنَ الضَّأْنِ» يعني من النعاج «اثْنَيْنِ» ذكرًا وأنثى «وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَينِ» ذكرًا وأنثى «قُلْ» يا محمد «ءآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ» يعني ذَكَرَ المعز والضأن حرمهما اللَّه - تعالى - أو إناثهما، وإن كانت الذكورة حرمها فَحَرّمُوا كل ذَكَرٍ، وإن كانت الأنوثة حرمها فحرموا كل أنثى «أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ» أي: أم حرم ما ضمها الرحم من الأنثيين النعاج والماعز، يعني إن كان المحرم ما اشتملت عليه الرحم فكل ولد كذلك، [ففيمَ استحللتم] بعض الذكران، وبعض الإناث، وبعض الأولاد وحرمتم البعض؟ وقيل: أمحرم ما اشتمل عليه الرحم مما لم يُعْلَمْ أنه ذكر أو أنثى، عن أبي مسلم «نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ» أي: خبروني بحجة ودليل يقتضي العلم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» في هذا التحريم والتحليل «وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَينِ» ذكرًا وأنثى «وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَينِ» ذكرًا وأنثى «قُلْ» يا محمد «ءآلذَّكَرَيْنِ حَرمَ» اللَّه منهما «أَمِ الأنُثَيَينِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيهِ أَرْحَامُ الأنُثَيَينِ» ومعناها قد تقدم، قيل هذا حجاج فيما حرموا من البحيرة والسائبة، والوصيلة والحام، وحَرَّمَوا ما في بطون الأنعام على ما تقدم فحاجهم بذلك «أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ» أي: حضورًا «إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا» أي: أمركم به وحَرَّمَهُ حتى تضيفوه إليه «أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ» استفهام والمراد الإنكار أي: لم يأمركم به، وَوَصَّى: أَمَرَ ووصى وأوصى بمعنى «فَمَنْ أَظْلَمُ» أي: فمن أشد ظلمًا ممن اختلق على اللَّه الكذب «لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ» أي: ليذهب بالناس عن طريق الحق بشبهة لا بحجة، وقيل: ليضل الناس عما أمر اللَّه به