التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون 151}

صفحة 2463 - الجزء 4

  الثاني: جزم ب (لا) على النهي، ويجوز أن يعطف على النهي، ولا تقتلوا على الخبر، كقوله: {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٤}.

  · المعنى: ولما رَدَّ عليهم تحريم ما حرموا عقبه بذكر المحرمات، وأمر رسوله بأن يتلو عليهم ذلك، فقال سبحانه: «أقُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ المشركين «تَعَالَوْا» أقبلوا وهلموا «أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ» ألّا تفعلوه، أمركم «أَلَّا تُشْرِكُوا» الآية، لا فرق بين قوله: «حَرَّمَ رَبُّكُمْ عليكم»، وبين قوله: أمر ألَّا تفعلوا؛ لأن معنى «لا تشركوا»، ومعنى «حرم الشرك» واحد، عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: تقديره: أتلُ ما حرم ربكم عليكم فعل هو تركه، ثم قال: فمما حرم فعله الشرك، وأوجب ألَّا تشركوا، وحرم العقوق، وأوجب الإحسان، وحرم القتل، وأوجب تركه؛ لأن ما وجب فعله حرم تركه فبيان أحدهما بيان الآخر، وقيل: فيه بيان المتلو لا بيان المحرم فتقديره: أتل أي: لا تشركوا، وأتل أي: أحسنوا إلى الوالدين، وقيل: أمر وأوصى ألَّا تشركوا، وقيل: (لا) زائدة، وقيل: تقديره: حرم أن تشركوا، وقيل: إنه يتصل ب (عليكم) أي: عليكم ألّا تشركوا على الإغراء، وتم الكلام عند قوله: «رَبُّكُمْ» «أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، يعني في العبادة وادعاء الإلهية «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» يعني أمركم بالإحسان إلى الوالدين، ولما كانت نِعَمُ الوالدين تالية نِعَمَ اللَّه في التربية والنعم أمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بطاعته وعبادته «وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِنْ إِمْلاَقٍ» قيل: من الفقر، عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج والضحاك، وقيل: لا تئدوا بناتكم خشية العيلة «نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ» رازق الجميع هو اللَّه، فلا يَدْعُكُمْ الفقر إلى قتل الأولاد «وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ» قيل: المعاصي والقبائح كلها، وقيل: الزنا، وقيل: يدخل الصغير والكبير، والأولى أنه يتناول الكبائر «مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» أي: ما أعلنتم وما أسررتم قيل: لأنهم كانوا لا يرون بالزنا سرًّا بأسا فنهى عن ذلك، عن ابن عباس والضحاك