قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون 152}
  يمكن التحرز منه، وقيل: «لاَ نُكلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» أي: ما يسعها، ويحل لها، ولا تعنيف فيه، وقيل: لا يكلف إلا ما يقدر عليه ويمكنه، فلا تعتذروا بعدم القدرة على ما تزعمه الْمُجْبِرَة «وَإذَا قُلتُمْ فَاعْدِلُوا» أي: اصدقوا في مقالتكم، وهذا من الأوامر العجيبة البليغة التي يعقل فيها مع قلة حروفها وعذوبة ألفاظها الأقاويل والشهادات والوصايا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفتاوى والقضايا والأحكام والمذاهب {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} قيل: فيه حذف أي: ولو كان المشهود عليه والمحكوم عليه ذا قربة منكم، فلا تمنعن قَرابتُهُ أن تقولوا الصدق {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} قيل: عهده: فرائضه، وما أوجب عليكم فافعلوه كما أمر، وقيل: ما يوجبه باليمين، عن أبي علي، وقيل: هو ما وصى به في هذه الآيات، وعن ابن عباس: أن هذه آيات محكمات لم ينسخ منها شيء، وعن كعب: أول التوراة هذه الآيات، وعن الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: ألا أقرأ صحيفة عليها خاتم محمد ÷ [ثم] قرأ هذه الآيات، وقيل: ما يوجبه المرء على نفسه، وقيل: الكل مراد بالآية؛ لأن الجميع داخل في اسم أنه عهد اللَّه، ولا تنافي، فيحمل على الجميع {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} أمركم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: لكي تذكروا، وقيل: تتعظوا، وقيل: كي لا تغفلوا عنه، وتتركوا العمل به، وقيل: لتتفكروا فيها فتميزوا ما يلزم مما لا يلزم، وقيل: لتذكر عقاب اللَّه على العصاة فتمسكوا بهذه الأمور، وقيل: لتصيروا من أهل الذكر.
  · الأحكام: تدل الآية على النهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، فقيل: على جواز التصرف إذا كان أحسن، قال شيخنا أبو علي: بأنه مبني على قوله: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} وقيل: إنه ما يعود نفعه إلى اليتيم وهو الصحيح قال القاضي: والأقرب أنه مجمل يحتاج إلى بيان، ويدل على لزوم الاحتياط عند المعاملات بمكان الإيفاء، وتدل على قبح تكليف ما لا يطاق، وأنه - تعالى - لا يفعله خلاف قول الْمُجْبِرَةِ، وتدل أنه كما يلزم إيفاء الحقوق في الأموال يلزم في الحقوق كالشهادات وغيرها مما ذكرنا، وتدل على امتثال أوامره عقلاً وشرعًا؛ لأن جميع ذلك عهده يجب الوفاء به، وتدل أنه أراد من الجميع أن يَذَّكَّرَ، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ، وتدل