قوله تعالى: {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون 164 وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم 165}
  مَرْجِعُكُمْ» أي: إلى الموضع الذي لا حكم ولا أمر إلا له «فَيُنَبِّئُكُمْ» قيل: يخبركم بما في صحائفكم، وقيل: يجازيكم «بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» يعني اختلافهم في الأديان، فيظهر المحسن والمسيء فيندم المسيء، ولا تنفعه الندامة، «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ» يعني أذهب من كان قبلكم وأهلكهم، وأورثكم الأرض، وجعلكم خلفاءهم، وهذا لا يكون إلا من تدبير عالم مدبر، عن الحسن والسدي، وقيل: في الصورة والعقل والعمر والمال والقوة على حسب المصلحة «لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ» ليختبركم أي: يعاملكم معاملة المختبر فكلف الفقير الصبر، والغني الشكر، والعاقل النظر في الأدلة، واكتساب العلم والعمل بما يعلم، وقول الحق، وأهل الحرف الأمانة، والسلاطين العدل «فِي مَا آتَاكُمْ» أي: أعطاكم لتظهر منكم الطاعة والمعصية، فمن ظهرت معصيته فإنه سريع العقاب، ومن ظهرت طاعته فإنه غفور رحيم، قيل: وصفه بأنه سريع؛ لأن كل آت سريع، وقيل: سريع العقاب لمن استحقه في الدنيا، فيكون تحذيرًا لمواقعة الخطيئة على هذه الجهة، وقيل: سريع العقاب الهلاك في الدنيا، وقيل: سريع العقاب لأعدائه، غفور رحيم لأوليائه عن عطاء، وقيل: سريع من أسماء الإضافة، فالقيامة - وإن تأخرت - فهو سريع بالإضافة إلى ما بعد ذلك، وقيل: إنه - تعالى - افتتح السورة بالحمد على نعمه تعليمًا، وختم بالمغفرة والرحمة لنحمده على ذلك.
  · الأحكام: تدل الآية على أن العقاب لا يكون إلا على فِعْلٍ، وتدل على أن أحدًا لا يؤخذ بذنب غيره، وتدل أن العبد فاعله، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في جواز الابتداء بالعقاب، ومسألة الأطفال، ومسألة المخلوق، وتدل على أنه كَلَّفَهُمْ لتظهر أعمالهم، فيجازي كُلًّا بعمله، فيثيب المؤمن، ويعاقب الكفار والعصاة.