قوله تعالى: {ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون 10 ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين 11}
  وقد قل شكركم، يعني قليلاً ما شكرتم، عن أبي علي، وقيل: قليلاً منكم من يشكر، عن [الأصم وأبي] مسلم، وذكر أبو مسلم الوجهين، «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ» قيل: خلقنا آدم وصورناه، وقيل أولاده المخاطبين، وقيل: خلقنا آدم ثم صورنا ذريته، عن الضحاك وقتادة والسدي، وقيل: خلقنا أصلكم آدم ثم صورنكم في أرحام النساء، عن عكرمة، وقيل: خلقناكم في الرحم «ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ» بشق السمع والبصر وسائر الأعضاء عن يمان «ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ» مَنَّ - تعالى - على خلقه بثلاثة أشياء: بأن خلقهم ثم صورهم، وبأن جعلهم من ذرية مَنْ أَمَرَ الملائكة بالسجود له «اسْجُدُوا لِآدَمَ» قيل: هو ضرب من الخضوع دون السجود، وقيل: هو تكرمة لآدم عبادة لله، عن أبي بكر أحمد بن علي، وقيل: هو قبلة للسجود كالكعبة، ومزية لآدم، وقيل: هي سجدة التحية لآدم لا سجدة العبادة «فَسَجَدُوا» يعني الملائكة «إِلَّا إِبْلِيسَ» كان مأمورًا مع الملائكة بالسجود ولم يكن منهم، وهذا الاستثناء استثناء من غير الجنس، ومثله كثير في كلام العرب، ونطق به القرآن قال الشاعر:
  وَقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلا لاً أُسَائِلُهَا ... عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبِعْ مِنْ أَحَدِ
  وليس هي من جنس أحد. وقال آخر:
  وَبَلْدةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيش ... إِلَّا اليَعَافيرُ وإلا العيسُ
  وذلك ليس من جنس الأنيس لكن لما كان نصًا في الربع ذكرها كما ذكر إبليس مع الملائكة لما كان مأمورًا معهم، وإن لم يكن منهم «لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» أي: لم يسجد مع من سجد من الملائكة.
  · الأحكام: تدل الآية على عظيم نعمته - تعالى - بالتمكين في الأرض، وبخلقه، وجعله ساكنًا، وما يخرج منه من الأرزاق.
  وتدل على وجوب الشكر على هذه النعم.