قوله تعالى: {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين 12 قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين 13}
  الثاني: أنه دخله معنى ما دعاك إلى ألا تسجد.
  الثالث: ما ألجأك إلى أن لا تسجد، أو ما أحوجك.
  وقال الفراء: لما تقدم الجحد في أول الكلام أكد بهذا كما قال الشاعر:
  مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ ... سُودِ الرُّؤُوسِ فَوَالِجٌ وَفُيُولُ
  وقيل: تقديره: من. قال لك ألا تسجد؟
  ويقال: ما موضع (ما) من الإعراب؟
  قلنا: رفع على تقدير: أي شيء منعك من السجود، و (أن) في موضع نصب بوقوع المنع عليهما، و (ما) في قوله: «عما يَكُونُ» في موضع رفع أي: فما يكون لك التكبر فيها.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - قصة إبليس لما أمر بالسجود لآدم، فقال سبحانه: «قَالَ» قيل:
  قاله على لسان بعض ملائكته، عن أبي عليٍّ، وقيل: [بل قاله اللَّه] - تعالى - [ودل المعجز] أنه كلامه «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» أي: ما دعاك ألا تسجد، وليس المراد المنع؛ لأنه لم يكن ممنوعًا من السجود إذ لو كان ممنوعا لما أمر به، فالمراد ما صرفك؛ لأن الصارف كالمانع كما أن الداعي إلى الشيء بمنزلة الحامل عليه «إِذْ أَمَرْتُكَ» بالسجود له، «قَال» إبليس مجيبًا «أَنَا خَير مِنْهُ» يعني من آدم «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ»، وخلقت آدم من طين، فلما كان النار خيرًا من الطين كنت خيرًا من آدم، فلا أسجد له.
  قد أخطأ إبليس في هذا من وجوه:
  منها: أنه اعتقد أن أمر اللَّه - تعالى - إياه بالسجود لآدم خطأ، فكفر به.
  ومنها: أنه لم يعلم أن هذا الأمر ليس أمرا بعبادته؛ لأن عبادة غير اللَّه كفر كمن.
  يقول: لا أصلي إلى الكعبة؛ لأنه حجر.