قوله تعالى: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون 14 قال إنك من المنظرين 15 قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 17}
  وجه الخضوع. وقيل: سأله الإنظار إلى يوم - القيامة فمنعه اللَّه - تعالى - ذلك، وأنظره إلى الوقت المعلوم، ثم اختلفوا في الوقت المعلوم، فقيل: وقت موته، فعلى هذا الإنظار لأنه لم يوقت. وقيل: النفخة الأولى. وقيل: أنظر إلى وقت قيام الساعة، عن أبي علي.
  الثاني: يجوز إجابة دعائه استصلاحًا لأنه تفضل، عن أبي بكر أحمد بن علي، وليس بالوجه.
  ومتى قيل: إذا نظر هل يكون إغراء بالمعصية؟
  قلنا: لا؛ لأنه لم يعلم الوقت المعلوم فلا يكون إغراء مع تجويزه هجوم الموت عليه، ولأنه يُقال: لما أعلمه أنه يدخله النار ولعنه علم أنه لا يختار الإيمان أبدًا.
  ومتى قيل: ما فائدة إنظاره؟
  قلنا: لطف؛ لأنه يمكنه من استدراك أمره، وهل يضل به أحد؟ قال أبو علي:
  لا، لقوله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ١٦٢ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ١٦٣}، ولأنه لو ضل به أحدا كان بقاؤه مفسدة، وكان اللَّه - تعالى - لا ينظره. فأما أبو هاشم فيجوز أن يضل به أحد، ويكون بمنزلة زيادة الشهوة، ويجوز أن يكون لطفًا لنا من وجوه:
  أحدها: أن المكلف مع وسوسته إذا امتنع من القبيح كان ثوابه أكثر، ولأنه - تعالى - عرفنا عداوته، والعاقل يجتهد في أن يغيظ عدوه ويغمه، وذلك إنما يكون بطاعة ربه، ومن أطاعه فمن قبل نفسه أُتيَ، لا من قبل ربه.
  {قَالَ} يعني إبليس {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} قيل: جنبتني من رحمتك وجنتك، والإغواء: التجنيب، عن أبي علي. وقيل: جعلتني في العذاب بمصيري إليه بحكمك. وقيل: حكمت بغوايتي كقولك: أضللتني؛ أي حكمت، أي بضلالتي، في معنى قول ابن عباس، وابن زيد. وقيل أغويتني: أهلكتني، ومنه: «فسوف يَلقَون غَيًّا»، عن الأصم، يعني أمرتني بالسجود لآدم فدعاني بعد الأنفة إلى معصيتك، وقيل أغويتني: أي أضللتني عن الدين، وقيل: إن هذا لا يجوز؛ لأنه لو أراد ذلك لرد اللَّه - تعالى -