التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون 14 قال إنك من المنظرين 15 قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 17}

صفحة 2515 - الجزء 4

  عليه، وقيل: يجوز أن يكون هذا مذهب إبليس، كما أنه مذهب الْمُجْبِرَة، وقد رد اللَّه عليه حين لعنه وأوجب له العذاب.

  ويقال: ما معنى (الباء) في قوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: بمعنى (مع) أي: مع إغوائك إياي لأقعدن.

  الثاني: بمعنى (اللام) أي: لأجل إغوائك إياي.

  الثالث: بمعنى (القسم) كقولك: تاللَّه لأفعلن، وليس إغواؤه سبيلا لإضلاله لأنه كان يضل ولم يكن ذلك.

  {لَأَقعُدَنَّ} لأجلسن {لَهُم} بمعنى لأولاد آدم {صِرطكَ المسْتَقِيمَ} طريقك المستوي، وهو طريق الحق، وهو الإسلام والدين. وقيل: معناه لا أفتر عن إفسادهم، فلذلك ذكر القعود. وقيل: أرصد الطريق، وأصرفهم عن النفوذ في طاعة اللَّه.

  {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} فيه أربعة أقوال:

  الأول: دنياهم وآخرتهم. وقيل: حسناتهم وسيئاتهم، عن ابن عباس وقتادة وإبراهيم والسدي وابن جريج. يعني زين لهم الدنيا وخوفهم بالفقر ويقول في آخرتهم لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وفي الحسنات يثبطهم عنها بالفراغ من التزين، ويزين لهم السيئات والشهوات.

  الثاني: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون، عن مجاهد.

  الثالث: في كل جهة يمكن الاحتيال عليهم، عن أبي علي.

  الرابع: في جميع متصرفاتهم، إن أقبلوا وإن أدبروا، أو أخذوا يمينًا أو شمالاً، عن أبي مسلم.

  ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة اللَّه تنزل عليهم من فوقهم، ولم يذكر من تحتهم لأنها من مواضع الساجدين. وقيل: لأن متصرفاتهم الجهات الأربع.