التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين 22 قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين 23 قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 24 قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون 25}

صفحة 2526 - الجزء 4

  في المعصية بغرور، عن أبي مسلم. وقيل: أطمعهما فيما لا مطمع فيه مأخوذ من العطشان تَدَلَّى في البئر ليروى من مائها ولا ماء فيها، وقيل: جرأهما على أكل الشجرة، وقيل: خدعهما بغروره، وقيل: زين لهما الباطل، عن مقاتل. «بِغرور» قيل: غرهما بأن زين لهما الحرام، وقيل: دعاه إلى جنس ما نهي عنه، لا إلى عينه، فاغتر به، ولم يغتر بقوله ولا صدقاه في مقالته ويمينه، ولكن تركا الاحتياط حتى تدليا إلى الأرض وفارقا الجنة، فصارا مغرورين «فلما ذَاقَا» قيل: ابتدءا بالأكل فنالا شيئًا يسيرًا، وإنما ذكر الذوق لأنهما تناولا شيئًا قليلاً على خوف شديد «الشجرَةَ» يعني ثمرة الشجرة، يقال: أكلت من هذه الشجرة، يريد ثمرتها «بَدَتْ» ظهرت «لهما» دون غيرهما «سَوْآتُهُمَا» عوراتهما، قيل: تهافت عنهما اللباس، حتى رأى كل واحد منهما عورة صاحبه، ولم يرها قبل ذلك، وقيل: كان لباسهما من نور، وقيل: من ظُفْرٍ، عن قتادة. فنزع عنهما لباسهما، قيل: نزعه اللَّه، وقيل: أمرهما بالنزوع، وذلك علامة خروجهما من الجنة إلى الدنيا.

  ومتى قيل: كيف رأيا سوآتهما، ولم يرهما غيرهما؟

  قلنا: بأن يصرف اللَّه شعاع الرائين ويحول بينهما حجابًا وسترًا.

  ومتى قيل: فما الفائدة في نزع لباسهما؟

  قلنا: علامة لآدم بالخروج من الجنة والنزول إلى الأرض، وقيل: لطفًا للمكلفين إذا علموا أن لباس الجنة لا يعطى مع صغيرة، فكيف يطمع فيها صاحبها مع الكبيرة، فيدعوهم إلى الإنابة، وقيل: مصلحة لآدم.

  «وَطَفِقَا» جعلا «يَخْصِفَانِ» قيل: يرفعان ويضمان طاقًا على طاق، وقيل: يقطعان «مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» قيل: ورق التين فصار كهيئة الثوب «وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا» يذكرهما النهي