التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون 38 وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون 39}

صفحة 2558 - الجزء 4

  غررتمونا وأوردتمونا هذه الموارد، فلعنكم اللَّه «حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا» قيل: تلاحقوا واجتمعوا في النار، وقيل: حصلوا في درك من الدركات، وقيل: الدرك: النار والمهواة بهاوية، وليس لأهلها قرار؛ لأن القرار دعة وراحة، يقول: حتى إذا هوى في النار، عن الأصم. «قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ» قيل: الأتباع للقادة، عن الأصم. وقيل: أولاهم الَّذِينَ يدخلون النار أولا، وأخراهم الَّذِينَ يدخلون النار آخِرًا، عن مقاتل. وقيل: أولاهم الَّذِينَ شرعوا لهم تلك البدع والضلالة، وأخراهم الَّذِينَ كانوا بعدهم في آخر الزمان، عن السدي. «رَبَّنَا هَؤُلَاءِ» يعني هَؤُلَاءِ الرؤساء القادة ومن شرع الضلالة ودعا إليها «أَضَلُّونَا» قيل: دعونا إلى الضلال وزينوا ذلك وحملونا عليه، وقيل: منعونا عن اتباع الحق بالوعيد والترهيب «فَآتِهِمْ عَذَابًا» أي: عذبهم «ضِعْفًا» أي مِثْلَيْ ما لنا «مِنَ النَّارِ» وقيل: ضعفي ما هم فيه، وهذا دعاء تسلية، وإلا فالعذاب لا يزيد بدعائهم ولا ينقص، ويحتمل أن يكون المراد أنهم يستحقون ضِعْفَيْ ما نستحق؛ لأنهم ضلوا وأضلوا، ونحن ضللنا فقط، وقد فعل بهم ذلك، وهذا هو الوجه، «قَالَ» اللَّه - تعالى - مجيبًا لهم «لِكُلٍّ ضِعْفٌ» قيل: لكل قسط وحظ، عن أبي مسلم. وقيل: لكل ضعف أي: شدة إلى شدة وعذاب إلى عذاب يعني القادة والأتباع، فأراد به شدة ما هم فيه، وإلا فلا بد من تفاوت بين الأتباع والقادة لكثرة الآثام وقلتها «وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ» أي: كل واحد لا يعلم ما بصاحبه من العذاب ومقداره، عن أبي علي وأبي مسلم. وقيل: هو خطاب للكافر في الدنيا؛ أي: لا يعلم [مصيره وأنهم] يتلاعنون، عن الأصم. «وَقَالَتْ أُولاهُمْ» القادة «لأُخْرَاهُمْ» الأتباع مجيبًا لهم «فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ» ليس بيننا تفاوت في الكفر، فنحن سواء، عن أبي علي. وقيل: تركنا النظر واعتقدنا الباطل وقلدتمونا واعتقدتم الباطل فساويتمونا، وقيل: لم يكن لكم علينا من فضل في ترك الكفر، عن السدي. «فَذُوقُوا» يحتمل أنه كلام اللَّه - تعالى - إليهم ابتداء، ويحتمل أنه من كلام بعضهم لبعض، عن الأصم. وقيل: هو من كلام بعضهم لبعض؛ أي: فذوقوا معنا جزاء بما كنتم كسبتم، عن أبي علي وأبي مسلم. «بِمَا كنْتُمْ تَكْسِبُونَ».