التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 42 ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون 43}

صفحة 2565 - الجزء 4

  الثاني: أن الخفيفة تكون من الثقيلة فتكون: نودوا بهذا القول، قال الشاعر:

  أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كلاَنَا ... عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبُهُ حَرِيصُ

  وإنما قال: «تِلْكُمُ الْجَنَّةُ»؛ لأن المخبر عنها غائب، ولو كان حاضرًا لقال: هذه، وقيل: العرب تقيم (تلك) مقام (هذه)، و (هذا) مقام (ذلك)، و (ذلك) مقام (هذا).

  قوله: «ونزعنا» قيل: عطف على قوله: «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ» أي: أدخلناه الجنة، ونزعنا الغل، وقيل: وعلى الَّذِينَ آمنوا بتقدير: وبرئت من الغل صدورهم، كلا الوجهين ذكر أبو مسلم.

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآيات بما قبله؟

  قلنا: لما تقدم الوعيد للكافرين وأنهم أصحاب النار أتبع ذلك الوعد للمؤمنين، وأنهم أصحاب الجنة لما آمنوا وعملوا الصالحات، وهذا من أحسن الكلام.

  ويقال: كيف يتصل: «لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»؟.

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال:

  لما وعد المؤمنين الجنة على أنهم آمنوا وعملوا الصالحات بَيَّنَ أنهم لم يكلفهم من الصالحات إلا ما يقدرون عليه تأكيدًا للحجة، عن أبي مسلم.

  وقيل: إنه يتصل بقوله من قبل: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي}، ولا يكلفون أحدًا إلا وسعه؛ يعني أن الرسل لا تأتي إلا بما في الوسع، فمن آمن استحق الجنة ومن كفر استحق النار، عن الأصم.

  الثالث: أنه اعتراض بين الكلامين، كأنه لما وعد المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار بيّن أنه لا يكلف أحدًا منهم إلا ما في وسعه، وأن من استحق النار فمن قِبَلِهِ أُتِيَ.