التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين 44 الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون 45}

صفحة 2570 - الجزء 4

  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - ما يجري بين أهل الدارين عند استقرارهم فيهما، فقال سبحانه: «وَنَادَى» يعني سينادي، وإنما ذكر بلفظ الماضي قيل: لتحقيق المعنى، كأنه قد كان؛ لأنه كائن لا محالة، فجعل كالكائن؛ لأنه أبلغ في الزجر والردع، وقيل: فيه حذف، وتقديره: إذا كان يوم القيامة «نَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ» يعني: أهلُ الجنة وهم فيها أهلَ النار، وهم في النار.

  ومتى قيل: كيف ينادونهم وهم في السماء وهَؤُلَاءِ في الأرض مع بعد المسافة؟

  قلنا: قيل: تزول الموانع من السماع.

  «حَقًّا» وصدقًا «فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» من العقاب صدقًا، وهذا سؤال توبيخ وشماتة وتقرير، وإلا فالجميع عالمون بذلك، فيزيد به سرور أهل الجنة، وغم أهل النار حسرتهم «قَالُوا» يعني أهل النار «نَعَمْ» وهذا اعتراف على وجه التحسر والذل «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ» أي: نادى منادٍ من جهة اللَّه - تعالى - أَسْمَعَ الفريقين وأعلمهم «أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» أي: وجبت وحلت، «لعنةُ اللَّهِ» عذابه، قيل: لعنته: إبعاده من الجنة، عن أبي علي. وقيل: هو العذاب، عني أبي مسلم. وقيل: هو الإبعاد إلا أنه هنا هو العذاب، وقيل: كما سمي المثاب مقربًا لذلك سمي المعذَّب مبعدًا، فكأنه أبعده من رحمته، «على الظالمين» قيل: الكافرين، وقيل: كل ظلم يدخل فيه، وتخصيص آخر الآية لا يمنع من عموم أولها.

  ثم وصف الظالمين كيف كانوا في الدنيا حتى استحقوا العذاب، فقال سبحانه: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: يعرضون، وقيل: يصرفون غيرهم عن سبيل اللَّه، قيل: الحق الذي دعا إليه، فهو سبيله، وقيل: دين اللَّه، وقيل: