التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون 46 وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين 47}

صفحة 2571 - الجزء 4

  الطريق الذي دلهم اللَّه عليه يؤدي إلى الجنة، والكل يرجع إلى معنى واحد «وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا» قيل: يبغون بها العوج بالشبه التي يلبسون بها، ويوهمون أنها قادحة فيها، وقيل: جورا، عن الأصم. «وَهُمْ بِالْآخِرَةِ» يعني بالقيامة والبعث والجزاء «كَافِرُونَ» أي: جاحدون.

  · الأحكام: تدل الآية على أنهم يعرفون ما كان منهم في الدنيا.

  وتدل على أنهم يعرفون، ويعرفون أن الثواب والعقاب من جهته.

  وتدل على أن مَنْ وعَدَهُ العقاب يناله لا محالة، فيبطل قول المرجئة.

  وتدل على أن في هذا النداء سرورا لأهل الجنة، وتوبيخًا لأهل النار.

  وتدل على أن كل ظالم ملعون.

  ومتى قيل: أليس وصف أهل النار أنهم صم بكم عمي، فكيف يسمعون؟

  قلنا: تختلف أحوالهم، فمرة يعاقبون بسلب حواسهم، ومرة يعاقبون بتقويتها.

  ومتى قيل: كيف ينادونهم؟

  قلنا: يرتفعون إلى سور الجنة، فيشرفون عليهم، فيرونهم، أو يقوي اللَّه أبصارهم وأصواتهم.

  وتدل على أن الصد والبغي والكفر فِعْلُهُم؛ لذلك يعاقبهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ٤٦ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٤٧}