التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين 88 قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين 89}

صفحة 2635 - الجزء 4

  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - ما دار بين شعيب # وقومه، فقال سبحانه: «قَالَ الْمَلَأُ» قيل: الجماعة، عن أبي علي. وقيل: الأشراف، عن أبي مسلم. «الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» امتنعوا من اتباع الحق أنفة من المتبوع وتكبرًا «مِنْ قوْمِهِ» أي: قوم شعيب «لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا» أي: نخرجكم عن ديارنا «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا» أي: تدعون دينكم وتصيرون إلى ديننا.

  ومتى قيل: كيف قال: تعودون في ملتنا ولم يكونوا فيها؟

  فجوابنا: أن فيه أقوالا:

  أحدها: أنهم الَّذِينَ اتبعوا شعيبًا في دينه، فجرى الكلام على التغليب بذكر الجماعة، وإلا فشعيب # لم يكن على ملتهم قط، فالخطاب لهم ودخل هو فيهم للتغليب.

  وثانيها: معناه لتدخلوا في ديننا وتصيروا إليه؛ لأن العود يذكر ويراد به الابتداء بمعنى صار.

  وثالثها: أن رؤساءهم قالوا هذا القول على وجه التلبيس على العوام، يوهمون أنه كان منهم، وأنهم محقون في اعتقاد هم.

  ورابعها: أن شعيبًا وقومه في بدو أمرهم كانوا يخفون أمرهم حتى ظهروا، فتوهموا أنهم كانوا على دين قومهم، فقالوا: «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا» على ذلك التوهم.

  وخامسها: أن المراد بالملة الشريعة، فيجوز أن يكون شعيب على شريعتهم؛ أي: نسخ تلك الشريعةَ شريعتهُ فقالوا: لتعودن في ملتنا وشريعتنا المنسوخة.