قوله تعالى: {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون 100 تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين 101 وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين 102}
  «لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ» بعدهم بأن ملَّكَهُم الأرض بعد أولئك الَّذِينَ أهلكهم «أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ» يعني أهلكناهم بذنوبهم كما أهلكنا أولئك الماضين.
  ومتى قيل: أليس المؤاخذة بالذنب واجبة، فلم علقه بالمشيئة؟
  قلنا: فيه قولان:
  الأول: أنه أراد تعجيل العذاب وقد يكون ذلك مصلحة، وقد لا يكون.
  الثاني: أن العقاب مجوّز في العقل وليس بواجب، وإنما يقطع عليه بالسمع.
  ومتى قيل: إذا كان العقاب مجوزًا فلِمَ يقع به التخويف؟
  قلنا: ليس يجب أن يكون المكلف قاطعًا، وإنما يجب أن يكون مجوزًا؛ ولذلك يخاف أحدنا مع تجويز التوبة.
  ثم استأنف الكلام وقال: «وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ» إن لم نهلكهم، عن أبي علي. وقيل: إن المذموم كالممنوع من الإيمان بأنه لا يفلح، وقيل: إنه سمة في القلب من نكتة سوداء أن صاحبها لا يفلح، عن أبي علي. وقيل: هو ألّا يَقبل توبتهم ويلزمهم ما هم فيه وهو توبتهم عند المعاينة، عن الأصم. وقيل: الطبع الخذلان، عن أبي مسلم. وتقديره: أن الكافر يخذلهم فيرى الآيات واختار ما اعتاد وألف، فصار ذلك زينًا في قلبه حتى يعشق تلك الضلالة ولا يبصر مثواه ولا يسمع غيره، فأضيف إليه لهذا الوجه «تِلْكَ الْقُرَى» يعني التي أهلكنا وتقدم ذكرها «نَقُصُّ عَلَيكَ» أي: نتلو عليك «مِنْ أَنْبَائِهَا» من أخبارها لتعتبروا بأحوالهم ولا تغتروا كاغترارهم «وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ» إنما أضاف الرسل إليهم؛ لأنه أرسلهم إليهم، ولأنهم ينتفعون برسالته ويهتدون بها، ولأنه بعث بمصالحهم «بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج المزيلة للإشكال القاطع للعذر «فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا» فيه تسلية للنبي ÷ وعظة للخلق يعني أن أولئك مع