التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين 103 وقال موسى يافرعون إني رسول من رب العالمين 104 حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل 105 قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين 106 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 107 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 108}

صفحة 2659 - الجزء 4

  ومنها: أنه ناقض العادة بفعل لا يقدر العباد عليه؛ لأنه قلب العصا حية تسعى ويدًا سمراء صار لها من الشعاع كالشمس نقض، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول، وهذا نقض العادة.

  ومنها: أن الظلم والتكذيب فعلهم وليس بخلق لله تعالى، فيبطل مذهب الجبر.

  [قصة العصا]

  فأما قصة العصا فقيل: كان عصاه أعطاه مَلَكٌ حين توجه إلى مدين.

  وقيل: كان ذلك عصا آدم من آس الجنة تدور في أولاده حتى انتهت إلى شعيب مع أربعين عصا لآبائه، فلما استأجر موسى أمره بدخول بيت فيه العصا وأَخْذِ تلك العصا، فردها شعيب فقال: خذ أخرى فأخذ فإذا هي، فرده، وقال: خذ أخرى، فأخذ فإذا هي، كل مرة تقع يده عليها دون غيرها، فتركها في يده، فلما خرج متوجهًا إلى مصر رأى نارًا، وأتى الشجرة، فناداه اللَّه - تعالى - وأمره بإلقائها، فألقاها فصارت ثعبانًا عظيمًا. وقيل: صارت ثعبانًا أسود له أضراس تلتهب نارًا تمر بالصخرة فتقتلعها، فذهب موسى هاربًا على وجهه، فعارضه ملك وقال: مم تهرب؟ فقال: من الموت، قال: هل يملك أحد الموت غير اللَّه تعالى؟ قال: لا، قال: ففيم الهرب، فرجع موسى وناداه ربه: {خُذهَا وَلَا تَخَفْ} فأدخل يده بين لحييه فعاد عصا كما كان، فلما جاء فرعون ألقاها على ما تقدم.

  وقيل: كان الأنبياء يأخذون العصا تجنبًا من الخيلاء، وقيل: لكثرة منافعه، وقيل: أول من أخذ العصا عند الخطبة في العرب قس بن ساعدة، وإنما جمع بين الآيتين تأكيدًا ولطفًا وإظهارًا لأمر موسى #.

  فأما منافع العصا فقد نطق القرآن بها في سورة (طه) ففيها معجزات جمة، وفوائد كثيرة: