قوله تعالى: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم 109 يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون 110 قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين 111 يأتوك بكل ساحر عليم 112}
  وأبي علي. وقيل: احبسه، عن قتادة وأبي مسلم. والأول الوجه؛ لأنه علم أنه لا يقدر على حبسه بعدما رأى تلك الآيات «وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ» يعني ابعث في البلاد التي تملك «حَاشِرِينَ» أي: جماعة يجمعون لك السحرة، وكانت له مدائن وفيها السحرة «يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ» حاذق في سحره ليعارض موسى بالسحرة، وحكي عن عطاء أن رأس السحرة كانا أخوين، فلما بعث إليهما وحكى لهما شأن موسى خرجا إلى قبر أبيهما وناجياه فأجابهما، فقالا: دُعِينَا لأمر، وحكيا قصة موسى #، فقال: اذهبا فإذا نام فأطلقا العصا، فإن قدرتما عليها فاذهبا بها فإن الساحر لا يعمل سحره وهو نائم، وإن عملت العصا وهو نائم فذلك أمر اللَّه لا طاقة لكما به، ولا للملك، ولا لأهل الدنيا، فأتياه وهو نائم، فقصدا العصا في حديث طويل إن صح فهو محمول على أنه معجزة موسى # وهارون #.
  · الأحكام: تدل الآية على عظيم معجزة لموسى #.
  وتدل على جهل فرعون وقومه حيث لم يعلموا أن العصا قد قلبها موسى حية تسعى لا يقدر عليها غير اللَّه حتى نسبوه إلى السحر.
  وتدل على أن عادة البشر أن من رأى أمرًا عظيمًا أن يعارضه، فلذلك دعا فرعون بالسحرة فدل على أن العرب لو قدورا على مثل القرآن لعارضوه به، على أن الطريق في المعجزات المعارضة بإتيان مثله، ولذلك قال - تعالى - في القرآن: {فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} ولذلك لم يتكلف فرعون وقومه غير المعارضة وإيقاع الشك.
  وتدل أنهم أنكروا أمره محافظة على المُلك والمال؛ لذلك قالوا: «يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ» فتدل على أن من أقوى الدواعي إلى ترك الدين المحافظة على الرئاسة والمال والجاه كما هو عادة الناس في هذا الزمان.