التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون 123 لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين 124 قالوا إنا إلى ربنا منقلبون 125 وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين 126}

صفحة 2677 - الجزء 4

  اليمنى «ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ» على جذوع النخل، على شاطئ نهر مصر «أَجْمَعِينَ» فلا أدع واحدًا إلا صلبته، وقيل: أول من قطع الرِّجْل وصلب فرعون، عن ابن عباس وسعيد بن جبير. «قَالُوا» يعني السحرة لفرعون مجيبين عن وعيده «إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ» يعني إلى جزائه وحكمه صائرون، فجعلوا هذا جوابًا له.

  ومتى قيل: كيف يكون هذا جوابًا؟

  قلنا: فيه محذوف، واختلفوا فقيل: تقديره: إنا نصبر على ذلك ليوفي اللَّه أجورنا، فإن مصيرنا إليه.

  وقيل: إنا نعلم أن التمكين من الظلم لا يحسن إلا بشرط الانتصاف فنرجع إليه ينتصف لنا منك.

  وقيل: لا بد لنا من موت أو قتل، فالذي توعدنا [به] نحن صائرون إليه.

  وقيل: تقديره إنا آمنا رجاء لدار الآخرة، وذلك إلى اللَّه، ونحن نصير إليه وما توعده في الحياة الدنيا، فاقض ما أنت قاضٍ.

  «وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا» قيل: ما تطعن علينا وتعيبنا، عن الضحاك وغيره. وقيل: ما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه، عن عطاء. «إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا» يعني: لا موجب لغضبك ولا عيب لنا، إلا أنا لما رأينا الحجج اتبعنا الحق وآمنا بِاللَّهِ، وانسلختا من الباطل «لَمَّا جَاءَتْنَا» يعني الآيات نصبر.

  واختلفوا فيما صبروا؟

  فقيل: على تخلية اللَّه - تعالى - بينهم وبين فرعون.

  وقيل: أرادوا الصبر على شدة ما ينالهم من فرعون حتى لا يعودوا كفارًا، عن الأصم؛ لأنه كان يلتمس منهم الرجوع إلى الكفر.

  «وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ» أي: الطف لنا حتى نثبت على الإيمان إلى أن تقبض أرواحنا، وقيل: إن فرعون فعل ذلك بهم، وقيل: أصبحوا كفارًا سحرة وأمسوا شهداء بررة، وقيل: لم يصل إليهم وعصمهم اللَّه عنه، حكى كلا الوجهين الأصم.