التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129 ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون 130 فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون 131}

صفحة 2685 - الجزء 4

  تَعْمَلُونَ» أي: كيف تشكرون اللَّه على نعمه، وتعملون بطاعته، وقيل: يبتليكم بالنعمة لِيَظْهَرَ شكركم، كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم.

  ثم بَيَّنَ - تعالى - ما فعله بقوم فرعون، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ أَخَذْنَا» أي: حقًّا أنا أخذنا «آلَ فِرْعَوْنَ» خاصته وقومه وأتباعه «بِالسِّنِينَ» قيل: بالجدوبة، عن الحسن وأبي علي وأبي مسلم. وقيل: بالجدب والقحط عامًا بعد عام عن الفراء. وقيل: بالجوع، عن مجاهد وقتادة. «وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ» قال كعب: كان يأتي زمان لا تثمر النخلة إلا ثمرة أو ثمرتين، فابتلاهم اللَّه بهلاك الأنفس والمواشي، ونقص الأموال «لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» أي: عظة لهم ليتذكروا ويتفكروا فيه، قيل: تذكير لهم أن فرعون لو كان إلهًا لما استسلم لذلك الذل والصغر فيعلموا أن إلههم واحد فلم يذكروا «فَإِذَا جَاءَتْهُمُ» يعني قوم فرعون «الْحَسَنَةُ» قيل: الخصب والسعة والسلامة وكثرة النعم والثمرات «قَالُوا لَنَا هَذِهِ» يعني إنما نستحقه ونحن أهله، وقيل: ذلك لنا على حسب ما جرت به عادة بلادنا، عن أبي علي. وقيل: لنا هذه بما نحن عليه من طاعة فرعون، عن الأصم. «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» قيل: جدب وضيق رزق ومرض وبلاء، قال أبو علي: الحسنة والسيئة ههنا مجاز وتوسع؛ لأن الحسنة ما حسن من الفعل، والسيئة ما قبح، إلا أنه يستعمل في اللغة في النعمة والشدة مجازا، وقيل: إنه من المشترك فيهما لظهوره في الناس «يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى» قيل: يتشاءموا به عن الحسن ومجاهد وابن زيد. قالوا: ما رأينا شرًا ولا أصابنا بلاء حتى رأيناكم، فهذا إنما لقينا من شؤمكم، وقيل: بلغ ملك فرعون أربعمائة سنة، ثلاثمائة وعشرين لا يرى مكروهًا.

  ثم نزه موسى من قولهم فقال سبحانه: «أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ» قيل: أنصباؤهم وحظهم من الخصب والجدب والنعمة والنقمة، وقيل: عصيانهم عن ابن عباس. وقيل: ما قضى وقدر لهم، عن ابن عباس أيضًا. وقيل: ما أصابهم من