التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}

صفحة 2707 - الجزء 4

  السحق، دكه يدكه دكًّا، ومنه: الدكة، قال الأزهري: دككته: دققته، واندك السنام: لصق بالظهر، ودَكَّ الرجل أي دكه المرض. والفُوَاق: وجوع الشيء إلى الضرع بعد الحلب، ومنه: {مَا لَهَا مِن فَوَاقٍ} وأفاق السكران يفيق: إذا رجع عقله إليه من ذلك، وقيل: الفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع، وهو يرجع إلى ما قدمنا من رجوع اللبن إلى الضرع بعد حلبتين، وأفاق من مرضه وغيبته أي: رجعت الصحة إليه، وقول الأشتر لعلي يوم صفين: (أنظرني فواق ناقة)، حين رفعت المصاحف أي: قدر ما بين الحلبتين. وخرَّ: سقط، وخر عند النوم وخَرْخَرَ.

  · المعنى: ثم ذكر - تعالى - حديث الميقات الذي تقدم الوعد به، فقال سبحانه: «وَلما جَاء مُوسَى لِمِيقَاتنا» أي: الموضع الذي وقَّتْنا له، عن الأصم. وقيل: الوقت الذي ضربنا له أن نكلمه فيه، وقيل: إن موسى تطهر وأتى الميقات وكلمه اللَّه وناداه، وقيل: إنه كلمه في هذه المرة من السحاب، وكان السحاب محل الكلام لأنه عرض، لا بد له من محل، وفي ابتداء النبوة من الشجرة، فكانت الشجرة محلًّا للكلام، عن أبي علي. وقيل: كلمه بحضرة السبعين، فسألوه أن يسأل الرؤية، عن أبي علي. «قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ» أي: أرني نفسك أنظر إليك فأراك.

  اختلف العلماء في سؤاله الرؤية، فقيل: سأل ذلك عن قومه لاستخراج. الجواب لهم لما قالوا: أرنا اللَّه جهرة، وقوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ولذلك قال موسى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} وهذا قول أبي علي وأبي هاشم، واختيار القاضي وأبي مسلم، وهو الوجه.

  ومتى قيل: هلا أجابهم موسى؟

  قلنا: علم أنهم لا يقتنعون بجوابه.