قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}
  وقيل: سأل ليكفوا عن سؤاله، فقد كانوا ألهجوا به، ويجوز أن يكون أجابهم فلم يقتنعوا، وهذا لا يستبعد من قوم يعبدون عجلاً، ويقولون لنبيهم: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، ويقولون: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، إلى أمثال ذلك.
  ومتى قيل: أليس أضاف السؤال إلى نفسه؟
  قلما: لأنه لو أضاف إليهم وورد الجواب بنفي الرؤية كانوا لا يقنعون به، فأضاف قَطْعًا للنزاع، وإن كان دلالة الحال وسؤالهم يدل أنه سأل ذلك عنهم لا عن نفسه، والذي يدل عليه أنهم عوقبوا دون موسى.
  الثاني: قيل: لم يسأل الرؤية بالعين ولكن سأل علم الضرورة، فبيَّن - تعالى - أن ذلك لا يكون مع بقاء التكليف، عن أبي القاسم، إلا أن فيه ضعفا؛ لأن السؤال يبقى لعلم موسى أنه لا يجوز كونها أملا.
  الثالث: أنه سأل الرؤية بالبصر على غير وجه التشبيه، عن الحسن والربيع والسدي. وذلك لأن معرفة التوحيد تصح مع الجهل بمسألة الرؤية فكان كالمتوقف فيه، ويصح معرفته بالسمع، فسأل وبَيَّنَ له ذلك، وهذا ضعيف؛ لأن الجهل بمسألة الرؤية مع أنها من أصول الدين لا يجوز على الأنبياء، ولأنه تنفى عنه، ولأنه جهل بِاللَّهِ تعالى، فلا يجوز عليه، ولا شبهة أنه ÷ كان يعرف أنه - تعالى - لا يُرى.
  الرابع: أنه سأل اللَّه أن يظهر من قدرته ما يعلم من استحالة الرؤية عليه، ويستدلون به على ذلك، فكأنه يسأله ليظهر من أدلته ما يعلم أنه لا يُرى، فأجابه اللَّه - تعالى - وقال: «لَنْ تَرَانِي» و (لن) للتأبيد، قال تعالى: {لَنْ يَخلُقُوْا ذُبابًا}، ولأنه تمدح بنفي الرؤية فيعم الدارين كقوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}