التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}

صفحة 2709 - الجزء 4

  ولأن التمدح إذا وقع بنفي صفة عن ذات فلا بد أن يكون إثباته نقصًا، ولو لم يكن إثباته نقصًا لما كان نفيه مدحًا، وصفات النقص لا تجوز على اللَّه تعالى.

  ومتى قيل: لو لم تجز الرؤية لِمَ سأل؟

  فجوابنا أن هذا يتوجه عليهم؛ لأن عندهم لا تجوز في الدنيا ومع ذلك سأل، وقد بينا أنه إنما سأل ذلك من جهة قومه.

  «وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ» قيل: هو أعظم جبل بمدين «فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ» أي: سكن «فَسَوْفَ تَرَانِي» يعني إن بقى الجبل ساكنًا فحينئذ تراني «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ» قيل: ظهر أمر ربه لأهل [الجبل] كقوله: {وَاسألِ القَريَةَ} أي: أهل القرية، عن قطرب والكلبي. ومعناه: ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لأهل الجبل، وهذا كما يقال: الحمد اللَّه الذي تجلى لنا بقدرته وكلماته تتجدد، فكأن اللَّه - تعالى - يتجلى للعباد بها، فلما أظهر الآية العجيبة في الجبل صار كأنه ظهر [لأهله]، وقيل: معناه جلى وبه آية للجبل فجعل فعلاً متعديًا كالتخلص والتوعد عن المبرد. وتقديره: جَلَّى ربه أمره للجبل، وجَلاَ وتجلَّى بمعنًى، كقولهم: حدَث وتحدَّث، بمعنًى أبرز للجبل في ملكوته ما تدكدك به؛ إذ في حكمه أن الدنيا لا تقوم لكل ما برز من الملكوت الذي في السماوات، كما قيل: إنه أبرز قدر الخنصر من العرش، وقيل: ظهر وحي ربه للجبل، عن الحسن. وقيل: ظهر نور ربه، عن ابن عباس والضحاك وسهل بن سعد. «جَعَلَهُ دَكًّا» قيل: مستويًا بالأرض، وقيل: ترابًا، عن ابن عباس. وقيل: [ساخ في] الأرض، عن الحسن وسفيان وأبي بكر الهذلي. وقيل: تقطع بأربع قطع، قطعة ذهبت نحو المشرق، وقطعة ذهبت نحو المغرب، وقطعة سقطت في البحر، وقطعة صارت رملاً. ويقال: رمل الهبير في البادية من ذلك،