قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين 146 والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون 147}
  ذلك به، ولهذا لم ينزل على النبي ÷ ما اقترحوا من الآيات؛ لأنهم لا يؤمنون عنده، فتصرف هذه الآيات عمن ليس بلطف له، وصرفه ألّا يفعل ذلك، فهذا الوجه اختاره القاضي؛ لأن ما يتصل به يليق به وهو قوله: «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ...» الآية، وقيل: سأصرف سأمنع المعجزات عن الكذابين والمتكبرين وأخص بها الأنبياء، فلا يظهرها إلا عليهم، خلاف قول [الحشوية]: إن اللَّه - تعالى - جعل النيل في أمر فرعون، فكان يجري بجريه ويقف بوقوفه، وأنه كان يطول رجلاه مرتبته إذا علا شرفًا وتطول يداه إذا هبط، فبين - تعالى - أن ذلك باطل، وأنه يمنع مثل ذلك من أعدائه ويمنحه لأنبيائه، وقيل: سأصرفهم بالإهلاك عن الطعن في آياتي ومنع موسى من تبليغها، فالمؤمنِ من الإيمان بها فهو نظير قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} عن أبي مسلم؛ لأنه علم من حالهم أنهم لا يؤمنون وإن رأوا كل آية؛ ولذلك عقبه بقوله: «وِإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا» وقيل: سأصرف عن نَيلِ آياتي، وقيل: ما فيها من العز والكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة غير الأنبياء والمؤمنين؛ لأنهم لم يؤمنوا بها، عن أبي علي.
  ومتى قيل: كيف يصرفهم عنها؟
  قلنا: بوجوه:
  أحدها: بألا يفعلها.
  وثانيها: بأن يظهر الآيات على وجه يعلمه من يؤمن به دون من لا يؤمن، كما روي أنه ÷ كان يقرأ القرآن فأرادوا أن يلغوا فيه، فصرفهم عن ذلك بالنوم والحجاب حتى لا يسمعوا.
  وثالثها: بأن يهلكهم.
  ورابعها: بأن يمنعهم من إبطاله والقدح فيه.