قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين 146 والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون 147}
  «الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ» يعني يتعظمون بما ليس لهم، فلا يقبلون الحق أنفة أن يكونوا تبعًا، والتكبر في الخلق عيب؛ لأنه. ليس يحق منهم تكبر «فِي الْأَرْضِ» وقيل: لا يقبلون الحق أنفة، وقيل: تكبرهم على المؤمنين بالاستخفاف لهم، عن أبي علي. وقيل: التكبر القهر وألا يرى أحدًا مثله، عن الأصم. «بِغَيْرِ الْحَقِّ» يعني يتعاطون التكبر بغير حق لهم «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنوا بِهَا» فبين أنه إنما صرفهم عن آياته لأنهم لا يؤمنون بها «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ» أي: كل حجة، «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ» يعني طريق الحق والهدى والاستقامة واضحًا ظاهرًا «لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً» لأنفسهم ويعدلون عنه «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ» طريق الضلال والهلاك «يَتَّخِذُوهُ» طريقًا لأنفسهم ويميلون إليه، «ذَلِكَ» يعني الصرف عن الآيات، عن أبي علي وأبي مسلم. وقيل: اتخاذهم للغي سَبِيلًا «بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» بحججنا ومعجزات الأنبياء «وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ» قيل: غافلين عن الآيات، لاهين لا يتفكرون فيها، ولا يتعظون بها، وقيل: غافلين عما ينزل بهم من مخالفة الرسل، عن الأصم. وقيل: تركوا فصاروا كالغافلين عنها، عن أبي علي.
  ثم بَيَّنَ وعيد المكذبين، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ» يريد يوم القيامة وهو الكرة الثانية، سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا «حَبِطَتْ أَعمالُهُمْ» يعني بطلت فلم تعقب نفعًا، والمراد جزاء أعمالهم؛ لأن التحابط إنما يصح في المنتظرين ما يقضى، وهذا كقوله: {لِيُرَوا أَعْمَالَهُمْ} وقيل: بَيَّنَ الأعمال عن الإخشيدية. وقيل: بين المعصية والثواب، والطاعة والعقاب «هَلْ يُجْزَوْنَ» في الآخرة «إِلَّا» على «مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» في الدنيا من الأعمال.
  · الأحكام: تدل الآية على أن في الآيات ما يختص بها قوم دون قوم، فلذلك صرف المتكبر عنها، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه.
  وتدل على أن تلك الآيات مفسدة؛ فلذلك صرفها عنهم، فيبطل في الوجهين قول أصحاب اللطف.
  وتدل على أن هذا الصرف كالعقوبة لهم على تكذيبهم، وذلك يصحح قول أبي علي: إن المراد بهما يستحق على الإيمان بالآيات، وقول أبي مسلم: إن المراد به