قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون 74}
  يظهر منهم من الأفعال القبيحة، ولا يظهر من الحجر، ثم بين منافع الحجارة، وأن قلوبهم لا منفعة فيها، فهي أقسى من الحجارة، فقال «وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ» يعني يتشقق عن الماء، فيسيل منه الأنهار، وقيل: المراد به الحجر الذي كان مع موسى إذا وضعه يتفجر منه اثنتا عشرة عينًا، وقيل: هو عام «وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ» يعني: ومن الحجارة لما يتشقق فيخرج منه الماء، والضمير في «مِنْهُ» يرجع إلى (ما)، وروي عن بعضهم «مِنْهَا» يرجع إلى الأحجار «وَإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه» الضمير في «مِنْهَا» قيل: يرجع إلى الحجارة، يعني: وفي الحجارة ما يهبط من خشية اللَّه، وعليه أكثر أهل التفسير، وقيل: يرجع على القلوب، وتقديره: من القلوب ما يهبط من خشية اللَّه تعالى، يعني يخضع فيكون مستثنى من قلوب الفاسقين، وهم من آمن من أهل الكتاب، عن أبي مسلم، ومن قال: إنه يرجع إلى الحجارة اختلفوا في معناه، فقيل: هو البرد يهبط لخشية اللَّه، كقوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي بأمر اللَّه، عن أبي علي، وقيل: بل هو على جهة الميل، كأنه يهبط من خشية اللَّه لما فيه من الانقياد لأمر اللَّه، الذي لو كان من حَيٍّ قَادِرٍ لَدَلَّ على أنه خَاشٍ لله، وهذا معنى قول أبي القاسم، وقيل: أراد الجبل الذي تجلى له وجعله دكًّا، وقيل: يدعو ما فيه من الآية من جهة الهبوط وغيره إلى خشية اللَّه، وقيل: هو سبب الخشية لما يوجد فيه من الزلازل والآيات، فيخافون عندها، فأما ما روي عن مجاهد وابن جريج أن كل حجر تردى عن رأس جبل فهو من خشية اللَّه فغير صحيح على ظاهره؛ لأن الخشية على الجماد لا تجوز إلا أن تحمل على بعض ما ذكرنا. وما روي عن الزجاج: أن المراد مَنْ جعل فيه التمييز، ففاسد؛ لأنه ليس بحجر إذا بقي إنسانًا، ولأنه يعطل معنى التعجيب؛ إذ لا يستبعد ذلك ممن له التمييز، وأصح الأقوال ما ذكره أبو القاسم: أنه على طريق التمثيل، وله شواهد، قال تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي كأنه يريد، وقال زيد الخيل: