قوله تعالى: {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين 150 قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين 151}
  إِلَيهِ» قيل: جره إلى نفسه ليناجيه، ويستبرئ حال القوم، ولهذا أظهر هارون براءة نفسه بقوله: «إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي» ولما أظهر براءته دعا له ولنفسه، وقيل: قبض على رأسه ولحيته على وجه التسلي، كما يفعله الواحد عندما يناله الغم الشديد والمصيبة العظيمة، وكره هارون أن يظن الجهال الاستخفاف، فأظهر براءته، فدعا له موسى إزالة للتهمة، وقيل: هو كقبض الواحد منا على لحيته وعضه على يده وشفته عند غضب شديد من مكروه لحقه؛ فلذلك دعا له إظهارا لتعظيمه، وأنه يجري مجرى نفسه، وقيل: هذا أمر ينقلب حمله بالعادة وشاهد الحال، فإذا لم تكن العادة في ذلك الزمان على ما هي الآن عليه لم يكن استخفافًا، عن أبي بكر أحمد بن علي. وقيل: ظن من هارون ترك التشدد في أمر يمكنه، فأنكر عليه مع كونه صغيرا حتى أظهر براءة نفسه، فاستغفر لنفسه وله، فهذا لا يصح؛ لأن ترك الإنكار مع التمكن يعظم، ولا يظن بهارون ذلك، وقيل: الذي أنكره عليه ما بينه في (طه) {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}، عن أبي مسلم. ولا شبهة أن موسى لم يقصد الاستخفاف بهارون؛ لأن الاستخفاف بالنبي كفر، وهارون كان أكبر سِنًّا منه، وهارون نبي اللَّه، و «قَالَ» هارون يـ «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ» يعني عبدة العجل «اسْتَضْعَفُونِي» جعلوني ضعيفًا «وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي» أي: هموا بقتلي لما منعتهم عن عبادة العجل «فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ» أي: لا تسرهم بي بأن تفعل ما يوهم ظاهره خلاف التعظيم «وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ» قيل: لا تجمع في الغضب بيني وبينهم، قيل: لا تجعلني في زمرتهم، وقيل: سأَله هل فارق ما عهد إليه؟، فقال: لا تجعلني مع الَّذِينَ فارقوا، عن الأصم. وإنما أراد ليعلم القوم براءته، وإلا فموسى كان يعلم براءة هارون «الظَّالِمِينَ» يعني عبدة العجل ظلموا أنفسهم حيث استوجبوا النار، وقيل: ظلموا نبي اللَّه - تعالى - لما لم يتبعوه وعصوه «قَالَ» موسى «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي» قيل: لما تبين لموسى أنه لم يكن من هارون تقصير في النهي وبسط عذره في ألَّا يتبعه الَّذِينَ عبدوا العجل دعا له ولنفسه فقال: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخَي» قيل: هذا طلب المغفرة عن صغيرة وقعت منهم، وقيل: هذا على وجه الانقطاع إلى اللَّه، وسؤال المغفرة، وقيل: إنما استغفر لما أظهر المؤاخذة على هارون، وهو بريء عما يوجب العقاب، وبريء