التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون 156}

صفحة 2738 - الجزء 4

  والثالث: أنه لا يشاء ذلك إلا على معصية، فأيها ذكر دل على الآخر. قوله: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» أي: نعمتي عمت كل شيء، قيل: المراد أني أقدر أن أنعم على كل من يصح الإنعام عليه، وقيل: إنها خاصة في المؤمنين، عن ابن عباس. وقيل: هي نعم البر والفاجر في الدنيا، وفي الآخرة للبر خاصة عن الحسن وقتادة. وقيل: هي التوبة وسعت كل ذنب، عن ابن زيد. «فَسَأَكْتُبُهَا» أي: أوجبها يعني الرحمة «لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» قيل: يتقون الشرك، أي: يجتنبونه، وقيل: الكبائر، وقيل: جميع خصال التقوى «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» قيل: يعطون زكاة أموالهم، عن أبي عليٍّ وأبي مسلم وأكثر المفسرين. وقيل: يطيعون اللَّه ورسوله، عن ابن عباس والحسن والأصم. كأنه مذهبوا إلى ما يزكي النفس، ويطهرها من الأعمال «وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا» بأدلتنا «يُؤْمِنُونَ» يصدقون، وإنما جمع بين هذه الآيات؛ لأن التقوى جامع من المنع عن المعاصي، والزكاة من أشق الفرائض في المال والإيمان بالآيات؛ لأن أشق ما يلزم المكلف معرفة اللَّه ورسوله ومعرفة الديانات، وحل الشبه.

  · الأحكام: تدل الآية على حسن سؤال نعيم الدنيا كما يحسن سؤال الآخرة.

  وتدل على أن الواجب على الداعي أن يتقرب بدعاء التوبة والإخلاص؛ لذلك قالوا: «إنا هدنا إليك».

  وتدل على أنه - تعالى - ينعم على البَرِّ والفاجر، ويخص بالثواب المؤمن؛ فلذلك فصل، ومن تأمل هذا السؤال والجواب عرف عظيم محل هذا البيان.؛ لأنه ÷ سأل نعيم الدنيا والدين. عقيب الرجفة، فكان من الجواب أن العذاب خاصة يصاب به من يستحقه، فأما النعيم فما كان من باب الدنيا يسع كل شيء يصح عليه التنعم، وما كان من باب الآخرة يكتب له صفات ذكرها.