قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون 157}
  في التوراة، وسأكتبها في الإنجيل، عن أبي مسلم؛ لأنه يجعل هذا خطابًا لبني إسرائيل قبل نزول الإنجيل، وقيل: معناه أنه مكتوب فيه، والخطاب للذين في عصره، عن الأصم، وعلى قول أبي علي [وإن كان] أول الكلام خطابًا لمن كان في عصر موسى، فيجوز أن يكون ما بعده من صفة النبي ÷ كلامًا مستأنفًا.
  ومتى قيل: كيف جحدوا ذلك مع أنه مكتوب؟
  قلنا: فيه وجهان:
  أحدهما: أنه كان مكتوبًا بصفته دون اسمه وعينه.
  والثاني: أن علماءهم عاندوا، ولبسوا على أتباعهم.
  «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» قيل: المعروف هو الإيمان بِاللَّهِ، ووحدانيته، وصفاته، وعدله، والشرائع وما هو الحق؛ لأن جميع ذلك يعرف صحته، إما بالعقل أو بالشرع، والمنكر هو الكفر والمعاصي؛ لأن العقل والشرع ينكره، وهذا هو الوجه، وقيل: المعروف الشريعة، والمنكر البدعة، وقيل: المعروف: خلع الأنداد، ومكارم الأخلاق، وصلة الأرحام. والمنكر: عبادة الأصنام، وقطع الأرحام عن عطاء. وما ذكرناه أولا يعم هذين الوجهين «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ» قيل: الحلال التي كانت تحرمها أهل الجاهلية، وقيل: اللذيذات، قال الكلبي: بعث - عيسى # بتحليل بعضها، وبعث محمد بتحليل جميعها «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ» كالدم والميسر ونحوها، وقيل: المعاصي «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ» قيل: عهدهم بأن يعملوا بما في التوراة، عن ابن عباس والحسن والضحاك والسدي. وقيل: التشديد الذي كان عليهم في الدين، عن قتادة وابن زيد. والإصر: الثقل، فكأنه شبه التكليف بالثقل «وَالأَغْلالَ» يعني وضع عنهم الأغلال «الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» يعني ما أمروا به من الأثقال والشدائد كقتل النفس وتحريم السبت وتحريم العروق وقطع الأعضاء