قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون 157}
  الخاطئة، فكانت لازمة لهم كالأغلال في أعناقهم «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ» أي: صدقوه في نبوته وشرائعه «وَعَزَّرُوهُ» قيل: عظموه، عن أبي علي. يعني لتعظيمه في قلوبهم يمنعونهم من أراد كيده، ويبذلون مهجتهم في نصرته، وقيل: أعانوه، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: الضرب بين يديه بالسيف، وقيل: التعزير: الطاعة، عن الأصم. وقيل: عزوره ومنعوه عن أعدائه، بالنصرة «وَنَصَرُوهُ» أعانوه على أعدائه وقاموا بنصرة دينه «وَاتَّبَعُوا النُّورَ» يعني القرآن؛ لأنه يهتدي به الخلق في دينهم، كما يُهْتَدَى بالنور في أمور الدنيا «الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ» يعني أنزله اللَّه معه، قيل: على عهده وزمانه، وقيل: عليه، و (مع) بمعنى (على)، وكل واحد منهما يقوم مقامْ الآخر «أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الظافرون بالبغية، الناجون من العقاب، الفائزون بالثواب.
  · الأحكام: تدل الآية على أن صفته # في التوراة والإنجيل، وأنه - تعالى - أخذ العهد عليهم به، وأن صفته ما ذكر في الآية.
  وتدل على أن الفلاح ينال بجميع ما تقدم، فيبطل قول المرجئة.
  وتدل على أنه كان أمّيًا، والفائدة فيه أنه أبعد من التهمة إذ كانت دلالة القرآن ممن يتعاطى ذلك.
  وتدل على أن شريعته أسهل الشرائع، وأنه وضع عن أمته كل ثقل كان في الأمم الماضية، وذلك نعمة عظيمة على هذه الأمة.
  وتدل على وجوب تعظيم الرسول ونصرته بالجهاد، ونصرته بنصرة دينه وكل أمر يؤدي إلى توهين أمرهم إلى ما يتصل بذلك؛ لأن جميع ذلك من باب النصرة، وهذا لا يختص بعصره فجميع ذلك لازم إلى انقضاء التكليف، وفعْلُ الجهاد بالبيان وإيراد الحجة، ووضع الكتب فيه، وحل شبهة المخالفين لَيَزيدُ في كثير من الأوقات على الجهاد بالسيف؛ ولهذا قلنا: منازل العلماء في ذلك أعظم المنازل.