التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون 163 وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون 164}

صفحة 2756 - الجزء 4

  [ممن] لا يقبل، واللَّه مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم «أَوْ مُعَذِّبُهُمْ» في الآخرة «عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا» يعني: الواعظون قالوا في جواب ما قيل لهم: «مَعْذِرَةً» أي نفعل ذلك معذرة إلى اللَّه تعالى، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر «وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» أي: لعلهم يتقون هذا العصيان مخافة من اللَّه تعالى، وقيل: كانوا فرقتين عاصية، وناهية، والقول دائر بين الناهية، وقيل: كانوا ثلاث فرق: عاصية، وناهية، وساكتة، وهم الَّذِينَ قالوا: «لِمَ تَعِظُونَ» فالناهية ناجية، والعاصية هالكة.

  واختلفوا في الَّذِينَ قالوا: «لِمَ تَعِظُونَ»، فعن ابن عباس ثلاث روايات، روي أنهم ممن نجا، وهو قول أبي علي. وروي أنهم ممن هلكوا، وروي عنه التوقف.

  وقال الحسن: نجت فرقتان وهلكت فرقة، وهم الَّذِينَ أخذوا الحيتان.

  قال الحسن: وأي نهي أشد من التخويف بالعذاب، وهو اختيار الأصم.

  · الأحكام: تدل الآية على أنهم تعبدوا بتحريم الصيد يوم السبت، وأنه شدد التكليف عليهم بظهورها يومئذ، وأنهم خالفوا أمر اللَّه، وهذا القدر يقتضيه الظاهر.

  ومتى قيل: فظهور الحيتان يوم السبت دون غيره من الأيام، هل كانت معجزة؟

  قلنا: اختلفوا فيه، فقيل: كانت معجزة لنبي ذلك الزمان؛ لأنه لا يتفق السمك أن يأتي في الأنهار كثيرًا في يوم واحد، ولا يظهر في سائر الأيام، فإذا كان كذلك، فلا بد أن اللَّه - تعالى - قوى دواعي الحيتان يوم السبت، فظهروا، وصرفهم في سائر الأيام، فلم يظهروا، فكانت معجزة.

  وقيل: كانت جرت عادتهم بترك الصيد يوم السبت [فعملوا] ذلك اليوم على عادتهم، كما تعتاد الدواب كثيرًا من الأسباب.

  وتدل على أن استحلال ما حرم اللَّه كفر، فلذلك استحقوا عذاب الدنيا والآخرة.

  وتدل أنهم خالفوا الأمر سواء اصطادوا يوم السبت أو احتالوا يوم السبت، وأخذوا يوم الأحد.