التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 169 والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين 170}

صفحة 2768 - الجزء 4

  [فينفقون] في المعاصي، ولا يبالون، وإن كان في الكتاب خلافه، وقيل: كان رؤساؤهم إذا هابوا أحدًا بعثوا بمال إلى علمائهم، فيفتون لهم خلاف ما في التوراة بما يَهْوُونَ، ويقولون المصلحة فيه، «وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا» قيل: يقولون: إن اللَّه - تعالى - يغفر لنا الذنوب؛ لأنهم عملوا مع اعتقاد التحريم، وكانوا يقولون يغفر لنا ذلك كما تزعمه المرجئة، وقيل: كانوا يقولون: إنا اتبعنا المصلحة ليغفر اللَّه لنا ذلك «وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ» قيل: معناه أنهم أهل إصرار على الذنوب، عن مجاهد وقتادة والسدي وسعيد بن جبير وأبي علي وأبي مسلم. يعني إن عرض لهم ذنب آخر عملوه، وقيل: إنه لا يشبعهم شيء، عن الحسن. وقيل: معناه إن أتى الآخرين عرض كما أتى الأولين أخذوه، عن السدي. وقيل: إن يأتي يهود يثرب عرض مثله يأخذوه، كما أخذته أسلافهم «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ» يعني العهد المأخوذ على بني إسرائيل بإقامة التوراة «أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ» يعني قرؤوا مرة بعد مرة، وقيل: «درسوا» يتصل بقوله: «ورثوا الكتاب» يعني ورثوه ودرسوا ما فيه، ثم اختلفوا، وأخذوا عرض هذا الأدنى، وقيل: إنه يتصل بأخذ الميثاق يعني أخذوا ميثاقهم في الكتاب، وهم قرؤوا ذلك، وقيل: درسوا أن اللَّه لا يغفر للمُصِرِّ على الكبائر، عن أْبي مسلم. «وَالدَّارُ الآخِرَةُ» بمعنى الجنة «خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» الكبائر، وأتى بخصال التقوى، وقيل: يتقون الشرك والحرام «أَفَلَا تَعْقِلُونَ» استفهام، والمراد التقرير، أي: اعلموا أنه كذلك.

  ولما توعد المعرض عن الكتاب وَعَدَ المستمسك، وقال سبحانه: «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ» أي: يتمسكون بالكتاب، والتمسك هو العمل بما فيه، وقيل: هو الصبر على حلالها، واجتناب حرامها «بِالْكِتَابِ» قيل: القرآن، والمتمسك به هم أمة محمد ÷، عن عطاء. وهو اختيار القاضي. وقيل: الكتاب التوراة، والمتمسك به اليهود والنصارى الَّذِينَ لا يحرفونه، ولا يكتمونه، عن مجاهد وابن زيد. «وَأَقَامُوا الصَّلاةَ» وإنما خص الصلاة بالذكر، وإن دخل في المستمسك في الكتاب لجلالة قدرها وتفخيم شأنها «إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» نجازيه على أعماله حتى لا يضيع شيء.